في استقصائنا لمشاهد الرؤيا في المصادر التاريخية ـ ونقصد بمشاهد الرؤيا، المزارات والمقامات التي بُنيت في مواضع رؤية الأئمة أو الأولياء في المنام ـ توصلنا إلى وجود عدد من هذه المشاهد، نُسبت إلى السيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في بلاد مصر والشام.
فقد ذكر المقريزي (ت 845هـ) في خططه (ج 3، ص 217) أن الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله (525-544) قام بإنشاء مقصورة في الجامع الأزهر في مكان رؤيت فيه السيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ، وذلك بقوله: «وأنشأ فيه مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عُرفت بمقصورة فاطمة من أجل أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها رؤيت بها في المنام.»
وأشار موفق الدين بن عثمان إلى مقام آخر في جامع أحمد بن طولون بالقاهرة، بُني في مكان رؤية السيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في المنام، حيث قال في كتابه "مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار" (ص 204): «ورأى رجلٌ في المنام كأنَّ فاطمة الزهراء عليها السلام تصلي في مكانٍ ما في هذا الجامع، فأصبح وأخبر الناس بالرؤيا، فصلّوا فيه، وهو الآن [أي المكان] يُسمّى بمقام "فاطمة"، وعليه مقصورة، والدعاء فيه مستجاب.»
كما أشار الرحالة علي بن أبي بكر الهروي (ت 611هـ) في "الإشارات إلى معرفة الزيارات" (تحقيق جانين سورديل ـ طومين، ص 46) إلى وجود مشاهد لفاطمة الزهراء والإمام علي والإمام الحسين ـ عليهم السلام ـ في مدينة "المَحَلَّة" في دلتا النيل بمصر. (وهذه المدينة تُعرف اليوم بـ"المحلة الكبرى"، وتبعد عن القاهرة حوالي 110 كم، وعن الإسكندرية حوالي 120 كم.)
أما في مدينة حلب، فقد أشار ابن شدّاد الحلبي (ت 684هـ) في كتابه "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" (ج 1، ق 1، ص 52-53) إلى المشهد الأحمر في رأس جبل جوشن، حيث رؤيت فيه السيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في المنام، ووصفه بما يلي: «ومنها المشهد الأحمر، وهو في رأس جبل جوشن؛ يقصده أهل حلب في مهمّاتهم، ويدعون فيه لكشف ما نزل بهم، فيُستجاب لهم. ورأى بعض الصالحين في النوم فاطمة بنت رسول الله (صلعم) تصلّي في البيت الذي في الجدار القبلي منه، وهذا البيت هو الذي يُزار ويُقصد. وبنى بالمشهد بعض أهل زماني قبةً جليلةً عالية البناء وبنى فيه صهريجاً.»
وأخيراً، فقد انفرد عبد الغني النابلسي (ت 1143هـ) بالإشارة إلى مقام للسيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في مدينة "النبك"، الواقعة على منتصف الطريق بين مدينتي دمشق وحمص، وذلك بقوله في رحلته المسماة "الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز" (ج 1، ص 102): «وفي القرية المذكورة أيضاً مسجد صغير لطيف، يقال له مقام فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها، لكونها رُؤيت فيه مناماً، فأتينا إليه وزرناه وتبركنا به ودعونا الله تعالى هناك». ولم أهتدِ إلى موقع هذا المقام خلال جولة ميدانية قمتُ بها إلى مدينة النبك في خريف عام 2006.