آخرین نوشته ها
آمار بازدید
بازدیدکنندگان تا کنون : ۹۶٫۳۵۳ نفر
بازدیدکنندگان امروز : ۵ نفر
تعداد یادداشت ها : ۳۵
بازدید از این یادداشت : ۱٫۳۱۰

پر بازدیدترین یادداشت ها :
مقدمة التحقيق
سبق أن قدّمنا في القسم الأول لهذا المقال، تحقيق النصوص التي تتعلق بوصف المسجد النبوي الشريف والأماكن المقدسة في المدينة المنورة من رحلة الحج لأبي القاسم القندهاري، والمسماة "الرحلة الحجازية في آثار الرحاب الحرمية"، وهي تتلو رحلته إلى الشام وبيت المقدس، المسماة "الرحلة الأنسية في الآثار القدسية". ونتابع في القسم الثاني للمقال تحقيق ما يتعلق بوصف المسجد الحرام من هذه الرحلة.
وسبق أن أشرنا في القسم الأول للمقال أن لهذه الرحلة ثلاث نسخ مخطوطة، موجودة في كل من مكتبة ملك الوطنية، ومكتبة كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران، ومكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران، وكنا قد اعتمدنا في هذا التحقيق على نسخة مكتبة ملك باعتبارها مسودة المؤلف. وبعد مقارنة نصوص هذا القسم من الرحلة في نسخة مكتبة ملك مع نسختي المجلس وجامعة طهران، ظهر لنا أن هناك إضافات لنص الرحلة موجودة في النسختين الأخيرتين، ولم ترد في النسخة الأولى أي الأصل المعتمَد عليه، حيث يُحتمل أن المؤلف أضافها على نسخة ثانية مبيضة اعتُمدت في نسخ هاتين النسختين. وهذه الإضافات أوردناها في هذا التحقيق بين المعقوفتين للدلالة على أنها لم ترد في نسخة مكتبة ملك.
وأخيراً يجدر الإشارة إلى أنه نجد قبل بداية نص الرحلة في نسخة جامعة طهران، تقريظاً للمحدّث الشهير الشيخ حسين النوري الطبرسي (ت 1320هـ) صاحب "مستدرك وسائل الشيعة"، كتبه في 7 ذي القعدة من سنة 1314هـ في مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف، يتضمّن مدحاً للمؤلف ورحلته هذه، ويحثّ فيه على نسخ ونشرها. وإليكم نص التقريظ:
«بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لله درّ الفاضل الباذل الماهر المتبحّر الجامع الزكيّ الألْمَعي الوَعْوَعي 1
كذا يبدو في الأصل، والوَعْوَعي: "الرجل الظريف الشهم"، كما في تاج العروس للزبيدي، ج 22، ص 329.
المدعوّ بالجناب القندهاري، لا زال مغموساً في بحار رحمة الملك الباري، فقد جمع في هذا الجمع المنيف من آثار الأنبياء ومشاهد الأصفياء ومهابط الرسل الأمناء ومعابد البررة الأتقياء ومقابر الأولياء، دلّ على محالها وشرح من أوصافها ما يغني الطالب الراغب عن شدّ الرحال وضرب آباط الجمال، فهو أنيس الغريب وجليس الأريب وحبيس اللبيب، ومذكّر الأسلاف الطاهرة والآيات الباهرة، فطوبى لمن نشره وأفشاه وعدّه من ذخائر عقباه، وكتب بيمناه الداثرة العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، سابع ذي القعدة الحرام من سنة 1314 في المشهد الغروي على مشرّفه السلام.»

تقريظ المحدّث النوري على رحلة القندهاري ـ نسخة جامعة طهران
تقريظ المحدّث النوري على رحلة القندهاري ـ نسخة جامعة طهران


صفحة من رحلة أبي القاسم القندهاري ـ نسخة مكتبة ملك الوطنية
صفحة من رحلة أبي القاسم القندهاري ـ نسخة مكتبة ملك الوطنية


النص المحقق
في وضع المسجد والكعبة في سنة تشرّفي بمكّة المعظّمة
وكان ذلك في شهر شعبان سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بعد الألف.
اِعلم أنّ المسجد الحرام في وسط مكّة بشكل المربّع المستطيل، طوله شرقاً بغرب أربعمائة ذراع وعشر أذرع، وذلك من وسط حائطه الشرقي الذي عند باب الجنائز إلى وسط حائطه الغربي الذي هو جدار رباط الخوزي ـ بضمّ الخاء المعجمة بعدها واو، ثمّ زاء معجمة ـ يمرّ به في الحجر بالسكون ملاصقاً للجدار الشامي للكعبة، وعرضه شمالاً بجنوب من وسط حائطه الشامي عند عقود دار الندوة إلى وسط حائطه اليماني فيما بين بابي الصّفا وأجياد، يمرّ به فيما بين المقام والكعبة وهو إلى المقام أقرب، ثلاثمائة ذراع وسبع أذرع.
وقال في كتاب "منائح الكرم" نقلاً عن كتاب "هداية الناسك" لابن جماعة، أنّ مساحة المسجد الحرام ستّة أفدنة ونصف وربع فدان. والفدان: عشرة آلاف ذراع بذراع العمل المستعمل في البنيان بمصر المحروسة، وهو ثلاثة أشبار تقريباً. انتهى. 2
منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 473.

وقال الأزرقي: وذرع المسجد الحرام مكسراً مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع. انتهى. 3
أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 81.

وفي الجوانب الأربعة من المسجد ثمان وعشرون ذراعاً تحت بناء الأروقة، والبناء على أربعمائة وتسعة وستّون [ستّين] من الأعمدة الرّخامية والسّوارية الشميسية، في كلّ جانب ثلاثة صفوف ممتدّة تصل بعضها ببعض بأربعمائة طاقات [طاق] وأربعة وثمانون [وثمانين] طاقاً، وعلى الطّاقات مائة قباب [قبة] واثنتان وخمسون قبّة ومائتان واثنتان [واثنان] وثلاثون طاجناً، وأرض البناء مفروشة بأحجار سود منحوتة، ويكون تحت كلّ عقد من الطّاقات بين كلّ أسطوانتين خشبة ممدودة لتعليق القناديل، وعلى الأخشاب مسامير من الحديد المحدّد، رؤوسهنّ كالشّوك لئلا يجلس الحمام وغيره من الطيور على الأخشاب فيلوّث المسجد بزرقه.

مساحة زيادة دار النّدوة
وأمّا زيادة دار الندوة فطولها شمالاً بجنوب ثمانون ذراعاً، وعرضها شرقاً بغرب اثنتان وسبعون ذراعاً، ومن جوانبها الأربعة خمس عشرة ذراعاً تحت البناء على ستّة وستّين أعمدة يتّصل بعضها ببعض بثمانية وستّين طاقاً، وفوق الطاقات [الأطواق] ستّ عشرة قبّة وأربعة وعشرون طاجناً، وهكذا زيادة باب إبراهيم اثنتا عشرة ذراعاً تحت البناء من جوانبها الثلاثة غير الجانب الغربي.

عدد الأعمدة والسّواري والأروقة والبقاع والطواحن
والبناء على سبعة وعشرون [عشرين] عموداً يتّصل بعضها ببعض بتسعة وثلاثين طاقاً عليها خمس عشرة قبّة. وعلى أبواب المسجد من الداخل والخارج سبعة وعشرون عموداً، وهذه الأعمدة جميعاً من الرّخام إلا مائة وتسع وعشرون [عشرين] أسطوانة من الحجارة المنحوتة نصفها الأسفل من الحجر الصّوان ونصفها الأعلى من الحجر الأصفر الشّميسي بعضها مثمّن الشكل وبعضها مسدّس أو مربّع على ما اقتضاه المكان، كلّ واحد منها مبنيّ من الأحجار المنحوتة، مسبوك بين الأحجار من الرصاص في داخل وسطها حديد بطول الأسطوانة منحوت مكانه في وسط الأحجار مسبوك عليه بالرصاص.
وعلى الجملة الأروقة الثلاثة من الجوانب الأربعة على ثلاثة صفوف من الأعمدة والسّواري، وكلّ ثلاثة أعمدة رخامية بيضاء [بيض] تكون رابعتها سارية واحدة من الحجر الأصفر الشّميسي، ودور كلّ واحدة من الأعمدة ثلاث ونصف ذراع، ودور كلّ سارية مقدار دور ثلاثة ونصف عمود رخامي، ومن حائط المسجد الحرام الذي تحت البناء يفتح في الأروقة غرفات وشبّاك حجرات المدارس والرباطات اللّواتي حول المسجد، ولبعض المدارس بابان أحدهما يفتح في أروقة المسجد.
وأما صحن المسجد الحرام المكشوف تحت السماء فطوله شرقاً بغرب مائتان وأربعون ذراعاً فيه ستّ وثلاثون رواقاً على أربعة وعشرون [عشرين] عمود رخامي وعشر سواري شميسية، وعرضه مائة وثمانون ذراعاً فيه أربعة وعشرون رواقاً على ثمانية عشر عمود رخامي وخمس سواري شميسية، وعلى رأس كلّ واحد من هذه الأعمدة الأربعة والثمانين في الجوانب الأربعة دائرة صغيرة بين القوسين فيها منحوت اسم الجلالة، وهكذا في زيادة دار الندوة عشر دائرة، وفي زيادة باب إبراهيم خمس دائرة على رؤوس الأعمدة بين القوسين فيها منحوت اسم الجلالة.
قال في منائح الكرم: ورأيت بخطّ بعض الأفاضل ما نصّه: نقلت من خطّ جمال الدين المالكي ما نصّه: ومن غرائب الاتفاق أنّه لمّا ورد المهندسون من إصطنبول برسم "انديوجة" 4
قال المؤلف في الهامش: "هكذا في منائح الكرم مكتوب، لعله غلط".
جدار المسجد الحرام ممّا يلي الصحن بين كلّ عقدين دائرة يكتب فيها بالنحت اسم الجلالة، فعدّوا الدوائر فإذا كمّيتها تسع وتسعون دائرة، فعند ذلك فطن بعض ظرف العجم بشيء أشار به وهو أن يكتب في كلّ دائرة اسم من أسماء الله الحسنى لكون العدد كذلك، فأبى المعلّمون أنفةً من كون المُشير بها رجلٌ أعجميّ، انتهى.

عدد شُرفات المسجد الحرام
وفي المسجد الحرام على رؤوس الأروقة شرافات [شرف] جملتها ألف وثلاثمائة وثمانون شرافة [شرفة] من الرخام والشميسي، فمن ذلك في شرقي المسجد مائة واثنتا وستّون شرفة، ومن جهة الشمال ثلاثمائة وإحدى وأربعون شرفة، ومن الجهة الغربية مائتان وأربع شرفة [شرف]، ومن جهة الجنوب ثلاثمائة وستّ وثلاثون شرفة، وفي زيادة دار الندوة مائة وإحدى وتسعون شرفة، وفي زيادة باب إبراهيم مائة وستّ وأربعون شرفة.

أبواب المسجد الحرام
واعلم أنّ المسجد الحرام [للمسجد الحرام] تسعة عشر باباً تفتح على سبعة ـ بتقديم السين على الباء ـ وثلاثين طاقاً، في كلّ طاق درفتان أي مصراعان وخوخة واحدة، ففي الجانب الشرقي أربعة أبواب:
الأوّل: باب السلام، ويُعرَف بباب بني شيبة، وهو ثلاث طاقات، وفي كلّ طاق يفتح [تفتح] درفتان، وفي الدرفة اليمنى من الطّاق الأوسط خوخة، تغلق الدرفتان وتفتح الخوخة ليلاً لمن يدخل المسجد أو يخرج منه.
الثاني: باب النبيّ (ص) لأنّه كان يدخل منه، وهو طاقان ويُعرف بباب الجنائز لأنّهم كانوا يدخلون بالميّت من هذا الباب للصلاة عند باب الكعبة، وعلى رأس هذين البابين من الظاهر أربع وعشرون شرفة.
الثالث: باب العبّاس، سمّي به لأنّه قبالة داره، وكان يدخل في المسجد منه، ويعرف بباب الميلين وباب الجنائز أيضاً لأنّهم كانوا يخرجون بالميّت من هذا الباب وهو ثلاث طاقات [ثلاثة أطواق].
الرابع: باب بني هاشم، ويُعرَف بباب عليّ (ع)، وهو ثلاث طاقات [ثلاثة أطواق]، وعليها من الظاهر مائة وخمسة عشر [وخمس عشرة] شرفة.
وفي الجانب الشمالي خمسة أبواب:
الأوّل: وهو طاق واحد يسمّى باب السدّة، وكان قديماً يُعرف بباب عمرو بن العاص، وعليها ستّ شرافات.
الثاني: باب دار العجلة، والآن يقولون باب الباسطيّة لاتّصاله بمدرسة عبد الباسط، وهو طاق واحد عدد شرفاته [شرفه] سبع.
الثالث: وهو طاق واحد بزيادة دار الندوة في ركنها الغربي، يُعرف بباب سدّ الزيادة.
الرابع: وهو ثلاث طاقات بالزيادة المذكورة بجانبها الشمالي، وعدد شرفاته [شرفه] اثنتان وعشرون.
الخامس: باب الدّريبة، وهو طاق واحد بالقرب من منارة باب السلام.
وبالجانب الغربي ثلاثة أبواب:
الأوّل: وهو طاقان يعرف بباب حَزورة، بحاء مهملة مفتوحة وزاء معجمة، ثمّ واو وراء مهملة وهاء.
فائدة اِستطراديّة: عن عبد الله بن عديّ أنّ النبيّ (ص) قال لمكّة وهو على راحلته بالحزورة: «والله إنّكِ لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إليّ، ولو لا أنّي أُخرجت منكِ ما خرجتُ.» أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حيّان في صحيحه. وقال الترمذي: حديث حسن.
وقال الأزرقي في تاريخه: إنّ النبيّ (ص) قال ذلك عام الفتح على الحجون. 5
أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 125.

وقال الحافظ أحمد بن حجر: ولعلّه صلّى الله عليه وسلّم أعاد ذلك في عام الفتح تعظيماً في أمر مكّة.
وذكر الدارقطني أنّ بعض المحدّثين يفتح الزاي ويشدّون الواو [ويشدّد الواو]، وهو موضع صرح الحَزَوَّرة أمَة لوكيع بن سلمة بن زهير بأسفل سوق الخيّاطين عند منارة المسجد التي تلي الأجياد. انتهى.
الثاني: باب إبراهيم. وقال أبو عبيد البكري: وينسب لخيّاط اسمه إبراهيم، وهو طاق واحد كبير.
الثالث: وهو أيضاً طاق واحد كبير يسمّى باب العمرة لأنّ المعتمرين من التنعيم يخرجون منه، وكان قديماً يُعرف بباب بني سهم، وعليها ثلاث عشرة شرافات [شرفة].
وبالجانب الجنوبي سبعة أبواب:
الأول: باب بازان، وهو طاق واحد، وعدد شرفاته [شرفه] ستّ عشرة.
الثاني: وهو طاقان، ويسمّى باب البغلة بالباء الموحّدة والغين المعجمة.
الثالث: وهو خمس طاقات يسمّى باب الصّفا، لأنّه يليه، ويُعرف أيضاً بباب بني مخزوم، وعدد شرفاته [شرفه] تسع وعشرون.
الرابع: وهو طاقان، ويسمّى باب أجياد الصغير، عدد شرفاته [شرفه] تسع عشرة.
الخامس: وهو طاقان، ويعرف بباب المجاهديّة ويقال له باب الرحمة أيضاً، عدد شرفاته [شرفه] عشرون.
السادس: وهو طاقان، ويُعرف بباب مدرسة الشريف عجلان لاتّصاله بها، وعدد شرفاته [شرفه] عشرون.
السابع: وهو طاقان، ويسمّى باب اُمّ هاني، وعدد شرفاته [شرفه] ثلاث عشرة.

أما الكعبة المُعظّمة ـ زادها الله تعظيماً ـ
فهي في وسط المسجد الحرام على التربيع، ارتفاعها عن أرض المطاف سبع وعشرون ذراعاً وشبر [شبراً]، وطول جدارها من جهة الشرق من ركن الحجر الأسود إلى الركن الشمالي الشامي الذي يلي فتحة الحِجْر بالسكون ثلاث وعشرون ذراعاً وشبر [شبراً]، ومن جهة الغرب من الركن الغربي العراقي إلى الركن اليماني الجنوبي أربع وعشرون ذراعاً والعرض من جهة الجنوب من ركن الحجر الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعاً، ومن جهة الشمال من الركن الشامي إلى الركن الغربي بين فتحتي الحِجْر بالسكون عشرون ذراعاً إلاّ شبر [شبراً]، وعرض جدار الكعبة المعظّمة ذراعان وثلث ذراع.
أما موضع الحجر الأسود ففي الركن الشرقي ارتفاعه من أرض المطاف ثلاث أذرع إلا ستّة [ستّ] أصابع وهو مطوّق بفضّة على شكل الدائرة مقعّرة قعرها ستّة [ستّ] أصابع وقطر دائرتها شبر وأربعة [وأربع] أصابع مضمومة، سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله.

وأما صِفَة الكعبة الشريفة من داخلها
على ما زرتُه في ليالي الجمعة من ليلة النصف من شعبان سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة بعد الألف إلى أواخر المحرّم أول سنة أربع عشرة وثلاثمائة بعد الألف:
فأرض البيت مرتفع عن أرض المطاف بأربع أذرع وشبرين، وأرض البيت الشريف والجدران والسقف والسطح كلّها مرخّمة برخام ملوّن، وفيه ثلاث أعمدة من خشب السّاج مضببة بصفائح من فضّة مصطفة بطول الكعبة المعظّمة قائمة على ثلاث [ثلاثة] كراسي، وعلى رؤوسها أيضاً ثلاث [ثلاثة] كراسي، وعلى هذه الكراسي ثلاثة [ثلاث] جوائز ضخيمة صلبة من خشب السّاج.
وللبيت سقفان أحدهما فوق الآخر بينهما فرجة خالية، وبالسقف أربع كوّاء أي روازن للضوء، وفي ركنه الشامي باب المرقاة التي يصعد منها إلى أعلى الكعبة، والسقف الأعلى ممّا يلي السماء مرخّم برخام أبيض، ويحيط بسطحه إفريز مبنيّ بالحجارة على حيطانه من جوانبه الأربعة، ويتّصل بهذا الإفريز أخشاب فيها حلق من حديد يربط بها كسوة الكعبة المعظّمة.
والباب بالجدار الشرقي وهو مصراعان من عود السّاج وكذلك العتبة العليا والساعدين [والساعدان] من عود السّاج، والباب والعتبة والساعدان من ظاهرها بصفائح الفضّة مموّهة بالذّهب، وأما العتبة السفلى فهي من الحجر.
أول من حلّى الباب الجواد الوزير الإصفهاني في سنة خمسين وخمسمائة، عمل باب وحلاّه وكتب عليه اسم المقتفي العبّاسي. وكلام ابن الأثير يوهِم أن المقتفي عمل للكعبة باباً وما عمله إلاّ الجواد الوزير من ماله. وباب عمله الملك المظفّر صاحب اليمن وكانت عليه صفائح فضّة زنتها ستّون رطلاً. وباب عمله الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر وحلاّه بخمسة وثمانين ألف درهم، وركّب في الكعبة في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة. وفي سنة ستّ وسبعين وسبعمائة أمر الأشرف شعبان بتحلية باب الكعبة فحلّي بمأتين وثلاثين ألف درهم. وفي سنة إحدى وخمسين وثمانمائة أصلحت قنادين الباب بالفضّة وطُلِيت بالذهب، وقدّر ذلك ألف [بألف] وستّمائة درهم وتسعين افلوزيا للطلاء، وذلك في زمن السلطان جقمق. وقد قلع هذا الباب في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة بأمر السلطان سليمان خان، وعمل غيره وحُلّيَ بحلية كثيرة من الفضّة المطّلاة بالذهب وركّب بالكعبة.

مساحة داخل الكعبة والباب
وأما ذرع داخل البيت الشريف فطوله من جهة الشرق من ركن الحجر الأسود إلى الركن الشامي ثماني عشرة ذراعاً وثلث ذراع، ومن جهة الغرب من الركن اليماني إلى الركن الغربي ثماني عشرة ذراعاً ونصف وسُدس ذراع [نصف ذراع أو سدس ذراع]، وعرضه من جهة الجنوب من الركن اليماني إلى ركن الحجر الأسود أربع عشرة ذراعاً وثلثا ذراع، ومن جهة الشمال من الركن الشّامي إلى الركن الغربي أربع عشر [عشرة] ذراعاً إلا سدس ذراع، وبين الأسطوانة التي تلي باب البيت الشريف وبين حائط الكعبة أربع أذرع وثلث ذراع، وما بين هذه الأسطوانة والأسطوانة الوسطى أربع أذرع وربع وثُمن ذراع، وما بين الوسطى والأسطوانة الثالثة التي تلي الحِجْر بالسكون أربع أذرع و نصف ذراع، وما بين الثالثة وباب المرقاة المتّصلة بالجدار الشمالي ذراعان وربع، وسعة فتحة باب المرقاة ذراع وثُمن ذراع، وارتفاعه من أرض البيت ثلاث أذرع إلا ثلث ذراع، ويصعد إليه بدرج من خشب كالمنبر، ويصعد من هذا الباب إلى سطح الكعبة المعظّمة بثمان وثلاثين درجة من الحجر المنحوت، ومساحة سطح أعلى البيت المكرّم ثمان عشرة ذراعاً في خمس عشرة ذراعاً، والميزاب في وسط الجدار الذي يلي الحِجْر بالسكون طوله خمس أذرع، وهو مموّه بالذهب.
وكسوة داخل البيت المكرّم حرير أحمر قاني مزركش، أما باب البيت الشريف وهو مصراعان وطول فتحة الباب من داخل البيت مع القفازيز ستّ أذرع وأربعة [أربع] أصابع مضمومة، ومن الخارج بغير القفازيز ستّ أذرع إلا ربع ذراع، وعرض فتحة الباب من داخل البيت مع القفازيز ثلث أذرع وثلث ذراع، ومن الخارج ثلاث أذرع وربع ذراع، و طول كلّ واحد من مصرعي الباب ستّ أذرع إلا ثمن ذراع، وعرض كلّ واحد منهما ذراعان إلا ثلث ذراع، وضخامة عود الباب ثلاث أصابع، وعرض عتبته السفلى وهي حجر نصف ذراع وربع، وذرع الملتزم ـ وهو ما بين الباب وركن الحجر الأسود من داخل البيت ـ ذراعان وأربعة [أربع] أصابع مضمومة.

صِفَة الشاذَروان
و أما الشاذروان [بفتح الذّال المعجمة] 6
إضافة من نسخة المجلس.
، فهو عبارة عن الأحجار اللاصقة بجدار الكعبة مرخّمة على التسنيم بارتفاع ثلثي ذراع وعرض ثلثي ذراع.
قال الشافعي: وهو من البيت تركته قريش لضيق النفقة، وكما لا يصحّ الطواف داخل البيت لا يصحّ داخل جزء منه فلا يصحّ على الشاذروان، فلو كان في الطواف ومسّ جدار البيت في موازاة الشاذروان لا يصحّ على الأصحّ لأنّ بعض بدنه في البيت.
وقال غيره: وإنّما وضع هذا البناء المحدوب في جدار البيت ليقيه السيول، ويقال بمثل هذا بالفارسية پشتيبان، وهو من الجوانب الثلاثة الشرقية والغربية واليمانية، وأما جانب الشمال فهو ـ أي الشاذروان ـ أحجار سود مسطّحة بارتفاع أربعة [أربع] أصابع منفرجات.

صِفَة كسوة ظاهر البيت
وعلى الشاذروان من الجوانب الأربعة تسعون حلقة يربطون كسوة الكعبة، فهي منسوجة سوداء.
بيت:
كأنّ حليته السوداء قد نسجت * من حبّة القلب أو من أسود المقل
ومكتوبٌ عليها بالنّسج: «لا إله إلا الله، محمّد رسول الله»، وبطانتها من كتّان أبيض، وهي أربع وأربعون شقّة، طولها سبع وعشرون ذراعاً بارتفاع الكعبة، منها عشرة شقّة [عشر شقق] ما بين ركن الحجر الأسود والركن اليماني، واثنتا عشرة شقّة ما بين الركن اليماني والركن الغربي ظهر الكعبة، وعشرة شقّة [وعشر شقق] ما بين الركن الغربي والركن الشامي بين فتحتي الحِجْر ـ بالسكون ـ، واثنتا عشرة شقّة ما بين الركن الشامي إلى ركن الحجر الأسود، وهذا الجانب هو وجه الكعبة، وعلى الباب ستر مزركش من حرير أصفر فاقعٌ لونها تسرّ الناظرين، وللكسوة طراز تدور بالكعبة، وبين الطراز إلى الأرض عشرون ذراعاً، وعرض الطراز ذراع وثلثا ذراع، مكتوب في الطراز بالذهب على جانب وجه الكعبة: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً)) إلى قوله تعالى: ((غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) 7
آل عمران: 96-97.
، صدق الله العظيم.
وبين ركن الحجر الأسود والركن اليماني مكتوب بعد البسملة: ((جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) إلى قوله تعالى: ((بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ)) 8
المائدة: 97.
، صدق الله العظيم.
وبين الركن اليماني والعراقي أي الغربي مكتوب بعد البسملة: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسْمَاعِيلُ)) إلى قوله تعالى: ((التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) 9
البقرة: 127-128.
، صدق الله العظيم.
وبين الركن العراقي والشامي بين فتحتي الحِجْر وتحت الميزاب مكتوب بعد البسملة: «ممّا أمر بعمل هذه الكسوة الشريفة الفقیر خادم الحرمين الشريفين السلطان عبد الحميد خان ـ أطال الله بقاءه ـ في سنة اثنتنا [اثنتي] عشرة وثلاثمائة بعد الألف.»
وفي كلّ سنة تجدّد الكسوة وتكسى بها الكعبة المعظّمة في يوم النّحر فوق الكسوة العتيقة ثمّ تزال القديمة، إلا في هذه السنة فإنّه كسيت بها الكعبة في يوم الاثنين من شهر ذي الحجّة.
وأما كسوة داخل البيت الشريف فهي من حرير أحمر قاني مزركش على السقف والجدران، وقد جرت عادة سلاطين بني عثمان خلّد الله مُلكهم بأنّ من يقوم بأمر السلطنة يبعث بها في أول عام سلطنته، وأول من كساها من الداخل الملك الناصر حسن بن قلاوون أخو الملك الصالح صاحب مصر.
فائدة: مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل عدم جواز الفريضة في جوف الكعبة، وبمذهب الإمام أبي حنيفة والشافعي يجوز صلاة الفريضة والنوافل في جوف الكعبة. 10
هذه الفائدة لم ترد في نسخة جامعة طهران.

إنّي تأمّلتُ في جدران داخل البيت المكرّم فوجدت جملة من الخلفاء والملوك عمّروا في البيت الشريف كتبوا تواريخهم في أصل جدار البيت نظماً ونثراً بأسمائهم فنقلت الاسم والتاريخ فقط وذلك:
عمّر أبو جعفر المنصور المستنصر بالله، سنة 629.
عمّر السلطان يوسف عمر بن علي رسول 11
كذا في الأصل؛ وهو الملك المظفر شمس الدين يوسف بن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول الغساني، ثاني ملوك الدولة الرسولية في اليمن.
، سنة 680.
عمّر السلطان الملك الأشرف أبو النصر برسباي، سنة 826.
عمّر السلطان الملك الأشرف أبو النور قايتباي، سنة 884.
عمّر السلطان مراد بن أحمد بن محمّد حسنان، سنة 1040.
عمّر السلطان محمد خان، سنة 1090.
عمّر السلطان مصطفى خان، سنة 1109.
عمّر السلطان عبد الحميد خان، سنة 1299.
وقد استدعى ناظم التاريخ وهو السيّد أحمد زيني دحلان أن أكتب تاريخه في هذه الرحلة المباركة، ها هو ذا:
لسلطاننا عبد الحميد مآثر * ومن ذا الذي بالحصر يقوى يعدّد
وقد حار تعميراً لباطن قبلة * وتاريخه بيت فريد يجدّد
بناء بدار هو الداخل كعبة * وسلطاننا عبد الحميد المجدّد

صِفَة الحجر الأسود
روي أنّ الحجر الأسود كان يسلِّم على النبيّ (ص) قبل البعثة، وعنه (ص) أنّه قال: «الحجر الأسود يمين الله في أرضه. من لم يدرك بيعة النبيّ (ص) فمسح الحجر الأسود فقد بايع الله ورسوله.»
و نقل عن المحبّ الطبري أنّ كلّ ملك إذا قدم عليه الوافد قبل يمينه فنزل الحجر منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى.
وعنه (ص) أنّه قال: «ما من أحدٍ يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له.»
وعن أبي سعيد الخدري أنّه قال: خرجنا مع عمر بن الخطّاب (رض) إلى مكّة فلمّا دخلنا الطواف قام عند الحجر وقال: والله إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله (ص) قبّلكَ ما قبّلتُك، ثمّ قبّلهُ ومضى في الطواف. فقال له عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ: «بلى هو يضرّ وينفع وأنّ الله لمّا أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رقّ وألقمه الحجر وجعله في هذا الموضع وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وقد سمعتُ رسول الله (ص) يقول: يؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة وله لسان زلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد.» فقال عمر: «لا خير في عيش قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن.»
وفي رواية: «لا أحياني الله لمعضلة لا يكون ابن أبي طالب حيّاً.»
وفي أُخرى: «أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن.»

الحجر الأسود من قبّله * من خالص الودّ وفرط الوله
يشهد له يوم قيام الورى * بأنّه إيمانه كمّله
لبدر المصري:
للحجر الأسود كم لاثِم * وساجد ممرّغ فيه الجباه
تزدحم الأفواه في رشفه * كأنّه ينبوع ماء الحياه
وله:
للحجر الأسود سِرٌّ خَفيّ * وقد بدا للعين فيه شهود
عليه قد ضمّت قلوب الورى * كأنّه سوداء قلب الوجود
وله:
للحجر الأسود كم أودعت * أسرار إنس من علوم الغيوب
تزدحم الأفواه في لثمه * كأنّها تلفظ حبّ القلوب
لصاحب القاموس:
للحجر الأسود سرٌّ سَرى * فكر الورى في بحره غاطسا
وصحّ ما قالوا وقالوا فقد * أضحى لقلب الناس مغناطسا
للشهاب الخفاجي:
بمكّة لي غنا ليس يخفى * جوار الله والبيت المعظّم
ففيها كيمياء سعادة لي * ظفرت بها من الحجر المكرّم
فيه توجيه بقواعد أهل الصناعة.
وللصلاح الصّفدي:
إلى سيّد الأحجار في الحرم الذي * قضى الخالق الباري بتعظيم شأنه
حثثنا مطايا الشّوق والسّوق في الفلا * فجاءت بنا إنسان عين زمانه
وله:
تقبيل ذاك الحجر الأسودِ * يصدّ عنّي حرّ قلبي الصدي
في الكعبة الغرّاء خال من الـ * ـنّد على صفحة خدّ ندّي
وارتفاعه من أرض المطاف ذراعان وربع وسدس، والمرأى من الحجر الأسود قدر شبر وأربعة أصابع.
قال مؤلّف الرحلة المباركة: الذي ظهر لي مدّة المجاورة، أنّ الحجر المكرّم في شدّة الحرّ والقيض والشمس عليه لمّا أُقبّله أجد له برودة وطراوة، وقدميّ لا أستطيع الوقوف بهما على ما تحته من الرخام من شدّة الحمو والحرارة مع جورابين ثخنين يصحّ المسح عليهما.

صِفَة الملتزم
فهو ما بين الحجر الأسود والباب، أربع أذرع ونصف شبر، ويقال له المدعا والمتعوّذ، وفي حديث مرفوع أنّ الدّعاء فيه مستجاب.
وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: رأيت رسول الله (ص) بين الركن والباب واضعاً وجهه على البيت.
وعن ابن عباس قال: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: «الملتزم موضع يستجاب فيه الدّعاء، وما دعا عبد الله فيه دعوة إلا استجابها.» قال: فو الله ما دعوت الله فيه إلا أجابني.
وعن سلمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): «طاف آدم (ع) حين نزل البيت سبعاً ثمّ صلّى تجاه الكعبة ركعتين ثمّ أتى الملتزم فقال: اللّهُمّ إنّك تعلم سريرتي وعلانيّتي فاقبل معذرتي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي، اللّهُمّ إنّي أسألُكَ إيماناً تباشر به قلبي، ويقيناً صادقاً حتّى أعلم أنّه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرِّضا بما قضيت عليّ. فأوحى الله تعالى: يا آدم قد دعوتني بدعوات واستُجيبت لك، ولن يدعونني [يدعوني] بها أحدٌ من أولادك إلا كشفتُ همومه، وكففت عنه صنيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، وتجرت من وراء تجارة كلّ تاجر، وأنبته الدُّنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها.»
روى القاضي عياض في "الشفاء" بقراءته على الحافظ أبي علي عن أبي العباس العذري عن أبي أسامة محمد الهروي عن الحسن بن رشيق عن أبي الحسن محمد بن الحسن بن راشد عن أبي بكر محمد بن إدريس عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له.» قال ابن عبّاس: وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من رسول الله إلا استجيب لي. وقال عمرو بن دينار: وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عبّاس إلا استجيب لي. وهكذا كلّ واحد من الرّواة إلى القاضي عياض إنّه قال: قد دعوت الله فيه بأشياء فاستجيب لي، وأنا مستمرّ الدّعاء في أمور أخر وأرجو الله الإجابة. 12
الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، ج 2، ص 688-689.

يقول مؤلّف هذه الرحلة المباركة: وأنا دعوتُ الله فيه بأشياء أرجو الاستجابة إن شاء الله.
وأمّا المُستجار: فهو ما بين الركن اليماني والباب المسدود في خلف الكعبة مقابلاً للملتزم أربع أذرع ونصف شبر، وروي أن الدعاء فيه مستجاب.

[صِفَة حُفرة جبرئيل] 13
إضافة من نسخة المجلس.

< وأما الحفرة التي في وجه الكعبة طولها من الجهة الشاميّة إلى الجهة اليمانيّة أربع أذرع، وعرضها من الجهة الشرقيّة إلى جدار الكعبة ذراعان وسدس ذراع. رُوي أنه المكان الذي صلّى به جبرئيل بالنبيّ (ص) الصلوات الخمس حين فرضه [فرضها] الله تعالى على أُمّته، وكان رسول الله (ص) يُصلّي عنده ركعتي الطواف.
قال الفاسي: فكانت صلاته في نصف هذه الحفرة ممّا يلي الحجر بالسكون 14
في نسخة المجلس: بسكون الجيم.
.
وقال في الجامع الصغير: مَن صلّى في هذه الحفرة ودعا بهذا الدّعاء غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وهو هذا: «يا واحِدُ يا واحِدُ يا ماجِدُ يا ماجِدُ يا بَرُّ يا رَحيمُ يا غَنيُّ يا كَريمُ أتِمّ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ وأَلْبِسْني عافِيَتَك.»> 15
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.


[مساحة الحِجْر بالسّكون] 16
إضافة من نسخة المجلس.

< الحِجْر بكسر الحاء وسكون الجيم، وهو ما بين الركن الشامي الذي يُقال له العراقي والركن الغربي.
وأما صفته: فعرصته مرخّمة على شكل دائرة ناقصة يحيط بها حائط قصير من الرّخام، ولها فتحتان.
أمّا ذرعه فيكون ما بين وسط جدار الكعبة الذي فيه الميزاب إلى مقابلة من جدار الحجر سبع عشرة بتقديم السين ذراعاً وشبر [شبراً]، وعرض الجدار وهو مرخّم ثلاث ذراع إلا ثلث ذراع، وسعة فتحة الشرقيّة خمس أذرع وشبر، وكذلك الغربيّة بزيادة قيراط، وسعة ما بين الفتحتين تسع عشرة بتقديم التاء ذراعاً وثلث ذراع، وارتفاع جداره من داخله ذراعان إلا قيراط، ومن خارجه ذراعان وقيراطان، وذراع تدوير الحِجر من داخله ثماني وثلاثون ذراعاً، ومن خارجه الذي يطوف به مع الكعبة إحدى وأربعين [وأربعون] ذراعاً، فذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر مائة وخمس وأربعون ذراعاً و ثلث ذراع.
أمّا فضله فعن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص): صلّوا في مصلّى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار، قيل: وما مصلّى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: وما شرب الأبرار؟ قال: زمزم. رواه الفاكهي.
وعن عائشة (رض) قالت: كنتُ أحبّ أن أدخل البيت وأصلّي فيه فأخذ رسول الله (ص) بيدي وأدخلني في الحجر وقال: إن أردتِ دخول البيت فصلّي في الحجر فإنّما هو قطعة منه، قالت: فما أُبالي بعد هذا صلّيت في الحجر أو في البيت.
وفي الحِجر قبر إسماعيل عند أمّه هاجر تحت الميزاب.
قال المحبّ الطبري: البلاطة الخضراء قبر إسماعيل.
وقال القطب المكّي نقلاً عن الفاكهي في أخبار مكّة: ومن فضائل مصر أنّ الرخامة الخضراء التي في الحجر ـ بسكون الجيم ـ من الكعبة من مصر بعث بها محمد بن طريف 17
في أخبار مكة للأزرقي: أحمد بن طريف، وهو مولى العباس بن محمد الهاشمي.
سنة مأتين وإحدى وأربعين مع رخامة أُخرى وهي أيضاً خضراء أُهديت الحجر، فجُعلت إحدى الرخامتين على سطح جدار الحجر مقابل الميزاب، والأُخرى تحت الميزاب ممّا يلي جدار الكعبة، وهما من أحسن الرخام في المسجد الحرام، وكان المتولّي عليهما محمد بن داود، وذرعهما ذراع وثلاث أصابع. انتهى. 18
الخبر مذكور في منائح الكرم للسنجاري، ج 2، ص 161-162؛ وقريب منه في أخبار مكة للأزرقي، ج 1، ص 317. ولم أجد الخبر في كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام لقطب الدين المكي النهروالي.

أقول: وفي هذه الأيّام كلتاهما في أرض الحجر تحت الميزاب مما يلي جدار الكعبة على قبر إسماعيل (ع) إحداهما بيضيّ [بيضاوية] الشكل قطرها الأطول ذراع وثلاث أصابع، والأُخرى بشكل الدائرة قطرها ذراع وثلاث أصابع منفرجات، وكلتاهما منكسرتان لعلّ مثلهما في الحسن والتموّج لم يوجد.
وحكم الصلاة في الحِجْر حكم الصلاة في الكعبة.
وروي أنّ من قام تحت الميزاب وتمسّك بثوب الكعبة فدعا استُجيب وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه. وللصّلاح الصّفدي:
شعر:
طوى في طوافي لله لي منه لذّة * إذا نشرت بشّرت عسري باليسر
وكم حسنات فاض في الحجر درّها * وسال بها الميزاب حتّى امتلى حجر >
19
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.

< صِفَة ميزاب الرحمة
وأما الميزاب الشريف في وسط الجدار الذي يلي الحِجر بالسكون، رُوي أنّ رسول الله (ص) قال: «ما من أحدٍ يدعو تحت الميزاب إلا استجيب له.» فطوله بما فيه من جدار الكعبة خمس أذرع وسدس ذراع، وهو مموّه بالذهب.
ومن ذلك ميزاب عمله رامشت وصل به خادمه مثقال في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة؛ وميزاب عمله المقتفي العباسي وركّب في الكعبة بعد قلع ميزاب رامشت في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة؛ وميزاب عمله الناصر العباسي في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة؛ وقد قلع هذا الميزاب في سنة تسع وخمسين وتسعمائة بأمر السلطان سليمان خان؛ وعمل على صفته ميزاب وركّب بالكعبة المشرّفة؛ وأمر بنقل الميزاب القديم في خزانة الروم وأعطى في مقابلة ذلك لبني شيبة من بندر 20
كذا في الأصل، و"بندر" كلمة فارسية معناها: "ميناء".
جدّة ألفين وثمانمائة درهم فضّة. وذكر في "الضوء السافر بأخبار القرن العاشر": «وفي سنة تسعمائة وستّين جدّد ميزاب الرحمة.»> 21
ما بين المعقوفتين إضافة من نسخة المجلس.


صِفَة الحطيم
وأما الحطيم فاختلف الناس فيه وفي سبب تسميته بذلك؛ فقيل هو ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم، والحجر بسكون الجيم، وهذا مقتضى ما قاله ابن جريح، و في كتب الحنفيّة أنّ الحطيم الموضع الذي فيه الميزاب.
وقال ابن عباس: الحطيم الجدر.
قال المحبّ الطبري: يعني جدار حجر الكعبة، قال: وقيل الحطيم هو الشاذروان، سمّي بذلك لأنّ البيت رفع وترك هو محطوماً، وقيل سمّي حطيماً لأنّ الناس كانوا يحطمون هناك بالإيمان، فقلّ من دعا هنالك على ظالم إلا وهلك وقلّ من حلف آثماً إلاّ عجّلت له العقوبة.
روى الفاكهي عن عائشة (رض) أنّ خير البقاع وأطهرها وأزكاها وأقربها من الله ما بين الركن والمقام إلى زمزم روضة من رياض الجنّة، فمن صلّى فيه أربع ركعات نُوديَ من بطنان العرش: أيّها العبد غفر لك ما قد سلف منك فاستأنف العمل. ومن ذلك أنّ فيه قبر تسعة وتسعين نبيّاً جاؤوا حُجّاجاً فقبضوا هنالك. وفي رواية: أنّ فيه قبر تسعين نبيّاً منهم هود وصالح وإسماعيل، وقيل إنّ قبر إسماعيل في الحجر.

[فصل] 22
إضافة من نسخة جامعة طهران.

< وأما المقام فهو حجر فيه أثر قدم إبراهيم (ع) حين وقف عليه لمّا بنى الكعبة، وقيل لمّا أذّن بالحجّ، وقيل لمّا غسلت زوجة ابنه إسماعيل رأسه؛ ذكره الله تعالى في كتابه الكريم فقال جلّ وعلا: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)) 23
البقرة: 125.
.
طول الحجر عشرة أشبار وعرضه سبعة أشبار والقدمان داخلان فيه سبعة [في سبع] أصابع، وموضع عرض القدمين في المقام ملبّس بفضّة وعمقه من فوق الفضّة سبعة قراريط ونصف قيراط من الذراع المصري. وبُعد محلّ حجر المقام من الحجر الأسود سبع وعشرون ذراعاً، وعليه قبّة صغيرة من الحديد وعليها ستر مزركش، وهذه القبّة في جوف قبّة أُخرى وهي من أربعة شبابيك من الحديد، وفوق الشبابيك قبّة من خشب مبني فوقها، وعرض قبّة المشبّكة عن يمين المصلّي ويساره خمس أذرع، وطوله إلى جهة الكعبة خمس أذرع وشبر، وخلفه المصلّى وهو بعمودين من الحجارة وحجرين ممتدّين على الأرض من جانبي المصلّى، وطول المصلّى خمس أذرع و سُدس ذراع، ومن قبّة المشبّكة إلى شاذروان الكعبة عشرون ذراعاً وثلثا ذراع.
فإن قيل: لو نقل حجر المقام إلى موضع آخر من المسجد الحرام فما محلّ قوله تعالى: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)) 24
البقرة: 125.
؟
أقول: ولم أرَ في كتب الفقهاء من تكلّم على هذا، إلا أنّي بعدما طالعتُ كتب تواريخ مكّة ورسائل مناسك الأئمة الأربعة والزيدية رأيتُ في موضع حجر المقام أقوالاً أربعة ذكرها العلامة ابن الجزري الشافعي في مناسكه:
الأول: أنّ حجر المقام كان في موضعه هذا زمن إبراهيم وبقي على ذلك إلى سيل أُمّ نهشل فذهب به إلى أسفل مكّة، فأعاده عمر (رض) إلى محلّه الذي كان فيه.
الثاني: أنّ حجر المقام كان في زمن إبراهيم بمكانه اليوم ثمّ نقل في الجاهليّة، فألصق بالبيت الشريف، ثمّ نقله النبيّ (ص) من عند البيت إلى هذا الموضع.
الثالث: أنّه كان بمكانه اليوم في زمن إبراهيم ثمّ نقل في الجاهليّة فألصق بالبيت المكرّم وبقي كذلك زمن النبيّ (ص) وأبي بكر، وصدر زمان عمر، وكان النبيّ والأصحاب يُصلّون خلفه عند البيت الشريف إلى أن ردّه عمر (ره) إلى هذا الموضع.
الرابع: ذكره ابن سراقة أنّ موضع حجر المقام من زمن آدم وإبراهيم والجاهليّة إلى صدر الإسلام كان ما بين الباب وحفرة جبرئيل من جدار الكعبة بتسع أذرع، وصلّى هناك آدم حين فرغ من طوافه وإبراهيم كذلك، وصلّى النبيّ (ص) عنده حين فرغ من طوافه ركعتين وأُنزل عليه: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)) 25
البقرة: 125.
، ثمّ نقله النبيّ (ص) إلى الموضع الذي فيه الآن لئلاّ ينقطع الطواف بالمُصلّين خلفه، ثمّ ذهب به السيل إلى أسفل مكّة وأمرَ عمر (ره) بردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (ص). انتهى.
قلتُ: فعلى الأوّل والثاني الاعتبار خلف محلّه الآن، فلو نقل حجر المقام عن محلّه الآن فيصلّى خلفه لا خلف المنقول إليه، وعلى الأخيرين فالاعتبار الخلفيّة لحجر المقام حيث كان، لأنّ النبيّ (ص) صلّى خلفه وهو ملصق بالبيت أو أبعد بتسع أذرع ثمّ نقله (ص) في هذا المكان فصلّى النبيّ والأصحاب خلف محلّه الآن، والله يعلم.> 26
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.


[صِفَة زَمزَم] 27
إضافة من نسخة المجلس.

< أمّا زمزم فهو اسم بئر في المسجد الحرام، سُمّيت بذلك لزمزمة الماء، وهي صوته، وقيل لأنّ الفرس كانت تحجّ في الزمن الأوّل فتزمزم عليها.
قال المسعودي: والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء. وروي أنّ عمر (ره) كتب إلى عمّاله بأن ينهوا الفرس عن الزمزمة. وأنشد المسعودي:
زمزمة الفرس على زمزمِ * وذاك في سالفها الأقدمِ
وقيل: إنّ زمزم غير مشتقّة وهو اسم بئر، وقولهم بئر زمزم من إضافة المسمّى إلى الاسم، وهي غير مصروفة للتأنيث والعلميّة، بينها وبين جدار الكعبة ثلاث وثلاثون ذراعاً، ومن المقام إلى زمزم إحدى وعشرون ذراعاً، وقطر دائرة رأس البئر أربع أذرع، وعلى رأس البئر يُدير الرّخام بارتفاع ثلاث أذرع والرّخام شبران، وعمق البئر تسع وستّون ـ بتقديم السين ـ ذراعاً.
وفي قعرها ثلاث عيون: عين حذاء الحجر الأسود، وعين حذاء أبي قبيس والصّفا، وعين حذاء المروة. قاله الأزرقي. 28
أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 61.

والبئر الآن وسط حجرة عليها سقفان: الأسفل من الرخام والأعلى من الأخشاب للمكبِّرين والمبلِّغين لصلاة الجمعة والعيدين، بابها من جهة الشرق.> 29
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.


[لطيفة] 30
إضافة من نسخة المجلس.

< ذكر العلامة الباعوني في كتاب "ينابيع الزلال في بدايع المقال" أنّه كتب لوالده يسأله عن تعليل ملوحة زمزم، فأجابه ذكر ذلك في أبيات قال:
سألتُ أبا العبّاس والدي الذي * على فهمه في المشكلات يُعوّلُ
سؤالاً لطيفاً قد تعسّر فهمه * عليَّ إلى أن خِلته لا يُؤوّلُ
فقلتُ أطال الله عمرك في الورى * وأبقاك في عزٍّ به الخير موصل
تفكّرتُ يا مولا في بئر زمزم * بمكّة أرض فخرها لا يُمثّل
وأصبح ما فيها من الماء مالحاً * على أنّها من سائر الأرض أفضل
وقلتُ أطال الله عمرك في الورى * وهل عندكم فيه مقالٌ فيُنقل
فإنّي قد أتعبتُ فكري له فما * ظفرتُ بما فيه يقالُ وينقلُ
فإن كان شيء عندكم من لطيفة * بروحي أفديكم عليَّ تفضّلوا
ومُنّوا بإبداء الجواب تكرّماً * وفضلاً كما عوّدتموني وعَجِّلوا
فقال أمدَّ الله في عمره على الـْ * ـبَديهة قولاً للجواهر يخجل
نعم عندنا فيه جواب وأنّه * لكا السّحر أو كالدّرّ أو هو أمثلُ
جوابٌ غدا مثل النسيم لطافة * أزال عن الأفهام ما كان يشكل
فلا تعجبوا منه فذلك ظاهر * كشمس الضّحى يبدو لمن جاء يسألُ
فمكّة عين الأرض والعين ماؤها * كما قد علمتم مالحٌ ليس يجهلُ
ولابن أبي حجلة:
لزمزم بئرٌ غدا ماؤه * ببرده يطفو حرّ الأوام
تزدحمُ الناس على شربه * والمنهل العذب كثير الزّحام
في أسامي زَمزَم:
لزمزم أسماء أتت فهي برّة * وسيّدة بشرى وعصمة فاعلم
ونافعة مضمونة عونة الورى * ومرويّة سقيا وطيبة فافهم
وهمزة جبريل وهزمته كذا * مباركة أيضاً شفاء لأسقم
ومؤنسة ميمونة حرميّة * وكافية شباعة بتكرّم
ومعدية غدت وصافية غدت * وسالمة أيضاً طعام لأطعم
شرابٌ لأبرار وعافية بدَت * وظاهرة تكتم فأعظم بزمزم
وعن ابن عبّاس (رض) قال: قال رسول الله (ص): «خيرُ ماءٍ على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام طُعْمٍ وشفاء سقم.» الحديث.
وعن أبي ذرّ (رض) قال: قال رسول الله (ص): «زمزم طعام طُعْم وشفاء سقم.» رواه البزّاز بإسناد صحيح. وطُعم بضمّ الطّاء وسكون العين المهملتين، أي طعام يشبع.
وعن ابن عبّاس (رض) قال: قال رسول الله (ص): «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته لتستشفي شفاك الله، وإن شربته ليشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمأك قطعه الله، وهي هزمة جبرئيل وسقيا الله إسماعيل.» رواه الدارقطني وسكت عنه، وفيه كلام مبسوط في فتح القدير . 31
في نسخة جامعة طهران: "فتح الغدير".
ورواه الحاكم في المستدرك وزاد فيه: «وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله.»
وعن ابن عبّاس: أنّ رسول الله (ص) قال: «الحُمّى من قيح جهنّم فأبردوها بماء زمزم». رواه أحمد ورواه البخاري على الشكّ فقال: فأبردوه بالماء أو بماء زمزم.
وعنه (ص) أنه قال: «خمسٌ من العبادة: النظر إلى المصحف، والنظر إلى الكعبة، والنظر إلى الوالدين، والنظر في زمزم، وهي تحطّ الخطايا، والنظر في وجه العالِم.» رواه الدارقطني.
وعن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ قال: «خير بئرٍ في الأرض بئر زمزم، ومن شربه فليقُل: اللّهُمَّ إنّا بُلّغنا أنّ رسول الله (ص) قال: ماء زمزم لما شرب له، اللّهُمّ إنّي أشربه لتغفر لي فاغفر لي، اللّهُمّ إنّي أشربه مستشفياً فأشفني اللّهُمّ، وما أحبّه طلبه.»
وجزم الشيخ محبّ الدين الطبري بتحريم إزالة النجاسة بماء زمزم، وإن حصل به التطهير، وبه قال المارودي.
قال الشيخ جعفر في كتابه كشف الغطاء: يحرّم استعمال ماء زمزم مطلقاً في إزالة النجاسة أو غسل جنابة، وإذا وقعت فيه نجاسة وجب إخراجها وتطهيرها، وليس كذلك آبار الحرم وبلدان العتبات حتّى ما دخل في الصحن الشريف، ولو حمل منها ماء الاستشفاء وجب الاحترام، والظاهر تمشية الحكم إلى كلّ ما اتّخذ لذلك من المحالّ المشرّفة والأشخاص المعظّمة. انتهى. 32
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء للشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج 2، ص 436.

قال الشيخ محمد الدمشقي العثماني الشافعي في كتابه "رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة": «والاغتسال والوضوء من ماء زمزم يكره عند أحمد صيانةً له.» 33
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 5.
انتهى.> 34
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.


[صِفَة سِقاية العبّاس] 35
إضافة من نسخة المجلس.

< أما سقاية العبّاس فهو حجرة بجنب الزمزم، قال في الأوليات: كان موضع جلوس سيّدنا عبد الله بن العبّاس في زاوية زمزم على يسار من دخلها، وكان أوّل من عمل على مجلسه القبّة سليمان بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وعلى مكّة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عن سليمان بن عبد الملك، ثمّ عملها أبو جعفر المنصور في خلافته. انتهى.
[وفي سنة ثمان مائة وسبع عمّرت سقاية العبّاس (رض) بالحجر وكانت بالخشب بأمر الناصر بن السلطان قلاوون.] 36
هذه العبارة إضافة من نسخة المجلس، ولم ترد في نسخة جامعة طهران.

قال الشاعر:
يا ساقياً غنّ النّياق وزمزما * أبشر فقد جئتَ المقام وزمزما
كم كنت تذكرنا منازل مكّة * ونقول إنّ بها المُنا والمغنما
يرّد بماء سقاية العبّاس ما * كابدته طول الطّريق من الظّما
وخلف السّقاية ملاصقاً لجدارها محلّ لطيف مسقوف فيه آلات الوقادة كالعيدان التي ينزل بها القناديل ويسرج بها وكالقصب المجوّف التي يطفئ به المصابيح، وبعض شيء من قناديل الزّجاج والحراريق التي توقد على المقامات في اللّيالي المباركة. وأما القناديل التي توقد كلّ ليلة في صحن المسجد الحرام والأروقة والأبواب فجملتها.> 37
ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.


صِفَة الركن
أما الركن اليماني فعنه (ص) أنّه قال: «ما مررتُ بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي آمين آمين، فإذا مررتُم به فقولوا: اللّهُمّ ربّنا آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.»
وقيل له (ص): إنّك تكثر من استلام الركن اليماني، قال (ص): «ما أتيتُ عليه قطّ إلا وجبرئيل قائم يستغفر لمن يستلمه.»
وعنه (ص): «ما بين الركن اليماني والحجر الأسود روضة من رياض الجنّة.»
[وروي عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ النبيّ (ص) قبَّل الركن اليماني ووضع خدّه عليه. رواه ابن المنذر والحاكم وصحّحه.] 38
إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.

وروي أنّ الركن اليماني بناه رجلٌ من اليمن اسمه أبيّ بن سالم فسمّي به، وأنشد فيما يشهد بتسميته:
شعر:
لنا الركن من بين الإله وراثة * بقيّة ما أبقى أبيّ بن سالم

فائدة استطرادية: ونُقل عن الشعبي أنّه قال: رأيت عجباً كنّا بفناء الكعبة أنا وعبد الله [بن] عمر وعبد الله بن الزبير وأخوه مصعب وعبد الملك بن مروان، فقالوا بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم رجلٌ رجلٌ فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله تعالى حاجته، فإنّه يُعطي من سعته. ثمّ قالوا لعبد الله بن الزبير: قُم أوّلاً فإنّك أوّل مولود وُلد في الهجرة، فقام فأخذ بالركن اليماني وقال: اللّهُمّ إنّك عظيم تُرجى لكلّ عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيّك محمّد (ص) أن لا تميتني حتّى تُولّينيَ الحجاز وتُسلَّم عليَّ بالخلافة، وجاء وجلس. ثمّ قام أخوه مصعب فأخذ بالركن اليماني وقال: اللّهُمّ إنّك ربّ كلّ شيء وإليك يصير كلّ شيء، أسألك بقدرتك على كلّ شيء أن لا تُميتَني حتّى تُولّيني العراق وتُزوّجني سكينة بنت الحسين ـ رضي الله تعالى عنه ـ، وجاء وجلس. ثم قام عبد الملك بن مروان فأخذ بالركن وقال: اللّهُمّ ربّ السماوات السبع والأرض ذات النبات بعد القفر، أسألُكَ بما سألك به عبادك المُطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقّك على جميع خلقك، وبحقّ الطائفين حول بيتك أن لا تُميتني حتّى تُولّيني شرق الأرض وغربها، ولا ينازعني أحد إلا أتيته برأسه. ثمّ جلس. ثمّ قام عبد الله بن عمر (رض) حتّى أخذ بالركن وقال: يا رحمان الدُّنيا والآخرة ورحيمهما، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك، أن لا تُميتني عن الدُّنيا حتّى توجب لي الجنّة. قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدُّنيا حتّى رأيت كلّ واحد منهم قد أُعطي ما سأل، و بُشّر عبد الله بن عمر بالجنّة.
أقول: لقائل أن يقول: ما الدليل على وجه البشرى، ولم أرَ أحداً من المؤرّخين ذكر شيئاً في هذا المعنى ممّا يستدلّ به على ذلك، ولا تعرّض له فيما وقفت عليه، و يحتمل أن يكون في ذلك وجهان:
الأوّل: أن عبد الله بن عمر (رض) قد كفَّ بصره بعد ذلك وقد وعد النبيّ (ص) من ابتلى بذلك بالجنّة كما في صحيح البخاري.
والثاني: أنّ الثلاثة لمّا أُعطوا ما سألوه كان ذلك أدلّ دليل على إجابة الجميع إذ هو اللائق بسعة كرم الله تعالى وسعة رحمته وعطائه جلّ اسمه، وكان عبد الله (رض) من الورع والزهد والصلاح بالمكانة التي لا تُجهَل.
قال في "منهاج التّائبين": من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ أتى الركن اليماني ليستلمه خاض في الرحمة، فإذا استلمه غمرته الرحمة، واستلامه أن يضع اليد على الركن أوّلاً، ثمّ يقبّلها ليكون ناقلاً بركنه إلى يده.

صِفَة المطاف
أما المطاف فهو عبارة عن دائرة محيطة بالكعبة مفروش بالرخام الأبيض من حائط الكعبة إلى محيط الدائرة خمس وعشرون ذراعاً وبأطراف المطاف إلا الحطيم يعني بين الزمزم والمقام اثنان وثلاثون أعمدة [عموداً] من المفرغ من مدافع الأفرنج من غنائم المرحوم السلطان سليم 39
في نسخة المجلس: "سليمان".
خان الغازي طاب ثراه، يتّصل بعضها ببعض بإحدى وثلاثين خشبة ممدودة، وعلى الأخشاب مسامير رقاق من الحديد المحدّد رؤوسهنّ مثل الشوك لئلا يجلس عليها الحمام ويلوّث المطاف بذرقتها [بذرقه]، وبين العمودين تعلّق سبعة قناديل من بلّور يشتعلون من غروب الشمس إلى طلوعها، وأنشد بعض الفضلاء الأشراف في المطاف:
شعر:
مطاف بيت الله لم * يعامل فيه عمل
يا حبّذا من حوله * دائرة فيها الرمل
وتحيط بالمطاف إلا الحطيم حاشية بارتفاع أربعة أصابع مبنيّة بالأحجار المنحوتة السود عرضها خمس أذرع، وبعد هذه الحاشية بقليل ارتفاع حاشية أُخرى عرضها ستّ عشرة ذراعاً مفروش بالأحجار المنحوتة السّود، وعلى أطراف هذه الحاشية مقامات الأئمّة الأربعة:
الأول: محراب الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ، وهو خلف المقام موضع صلاة الطواف إلا في الموسم، وأئمه المذهب الشافعي ثلاثون نفر، لكلّ يوم من أيام الشهر إمام.
الثاني: مقام الحنفي، وهو مواجهة الميزاب والحِجْر بالسكون، وهو مربّع مستطيل له سقفان: السقف الأعلى، وهو مزخرف للمكبّرين والمبلِّغين لتصل أصواتهم إلى سائر المسجد لارتفاع مكانهم، وفي أرض السقف الأول شبكة حديد في وسطه ليرى المبلِّغ منها الإمام حتّى يبلغ المأمومين حركات الإمام، والسقف على أربعة أعمدة وأربع سواري طوله شرقاً بغرب خمس عشرة ذراعاً، وعرضه شمالاً بجنوب عشر ذراعاً، وبأطراف السقف الأسفل أجنحة بعرض أربع أذرع، وجعلت درجة لطيفة يصعد منها المبلِّغ إلى المظلّة في أوقات المكتوبات، وهذا المقام مبنيّ من الحجر الشّميسي والأبيض بغاية الزّينة، وأئمة المذهب الحنفي قريب من تسعون [تسعين] نفر.
والثالث: مقام المالكي، وهو في الحاشية الغربية مربّع على أربعة أعمدة وبسقفه تحيط أجنحة، وأئمة المذهب المالكي خمسة عشر نفراً.
الرابع: مقام الحنبلي، مقابل ركن الحجر الأسود في جانب الشرق قريب بسقاية العباس، بناؤه مثل بناء مقام المالكي بلا تفاوت، وأئمة المذهب الحنبلي سبعة نفر [أنفار] لكلّ يوم من أيام الاسبوع واحد.
وهذه المقامات بهذه الكيفية من عمل الأمير "خوش كلدي" أمير بندر جدّة في سنة .... 40
كذا في الأصل، لم يذكر المؤلف التاريخ.
، وفي كلّ من هذه المقامات الأربعة يجعل على طرفي المحراب مسرجتين كبيرتين من نحاس يضع فيهما حراقتين ويوقدونهما بالزيت، والأئمّة يصلّون في المقامات على الترتيب إلا في الصبح يصلّي الشافعي أولاً والحنفي آخراً.

صِفَة المماشي
وأما المماشي السبعة الممتدّة التي يبتدئ من هذه الحاشية الوسيعة إلى أبواب سبعة عرض كلّ منها أربع أذرع مبنيّة من الأحجار المنحوتة السّود: الأوّل: ينتهي إلى باب السلام؛ والثاني: إلى باب النبيّ؛ والثالث: إلى باب عليّ؛ والرابع: إلى باب الصّفا؛ والخامس: إلى باب الوداع؛ والسادس: إلى باب إبراهيم؛ والسابع: إلى باب عمرة.
وبين المماشي السبعة مماشي صغار، يتّصل بعضها ببعض، وبين المماشي من صحن المسجد مثلّثات ومربّعات فيها الحصباء مبسوطة، وخلف مقام الحنفي إلى الأروقة مفروش بالأحجار المنحوتة السّود، وخلف المنبر إلى الزمزم مفروش بالرخام.

صِفَة منبر الرخام
أما المنبر فهو عند المقام بفاصلة ستّ أذرع منبر كبير من الرخام منحوت بنقوش مختلفة، له باب وأربع عشر درجاً [وأربع عشرة درجة] وقبّة صغيرة قلّما يوجد مثل هذا المنبر.
قال في "منائح الكرم": وفي سنة تسعمائة وستّ وخمسين بعث حضرة السلطان سليمان خان طاب ثراه بالمنبر الرخام الذي هو بفناء الكعبة عند المقام، وهو من تحف الدُّنيا كما هو مشاهد. وأرّخ وروده القاضي صلاح الدين القُرَشي المكّي 41
هو قاضي القضاة صلاح الدين أبو المحاسن محمد بن أبي السعود ابن ظهيرة القُرَشي المَكّي، المتوفى سنة 940هـ.
:
شعر:
شيّد الله ملك من * أسبغ الله ظلّه
وبأُمّ القرى لقد * ضاعف الله نزله
إنّ ذا المنبر السنيّ * قد حوى الحُسن كلّه
[هاك تاريخه الذي]
42
إضافة من منائح الكرم.
* شهد الخلق فضله
«لسليمان منبر * بالدّعاء شاهد له»
43
هذا البيت وهو التاريخ، يساوي بحساب الجمل سنة 966هـ، وذلك مخالف لما أورده السنجاري في أول الخبر وهو سنة 956هـ.
انتهى. 44
منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 309-311.

وذكر الإمام علي بن القادر الطبري 45
هو المؤرخ علي بن عبد القادر بن محمد بن يحيى الحسيني الطبري الشافعي المكّي، المتوفى 1070هـ.
ما نصّه: وكان انتهاء عمل المنبر الرخام سنة تسعمائة وستّ وخمسين 46
في منائح الكرم: سنة 966، وهو يوافق التواريخ الشعرية في حساب الجمل.
، وكان أوّل خُطبة خطب بها عليه خطبة عيد الفطر، وكان الخطيب أبا حامد البخاري، وقال الشيخ علي 47
ويُقصد بالشيخ علي هذا: علي بن حسن باكثير، كما ذُكر في منائح الكرم.
:
شعر:
انظر إلى منبر منير * أشرق [في]
48
إضافة من منائح الكرم.
الخافقين بدره
[عمره مالك البرايا]
49
إضافة من منائح الكرم.
* خليفة الله جلّ ذكره
أعني سليمان خير مولى * من آل عثمان طال عمره
تاريخه: «قل إله أقبل * بنا سليمان عزّ نصره»
وقال آخر:
منبر السلطان تاه
50
هذه الكلمة غير منقوطة في الأصل، وقد ضبطناها عن منائح الكرم.
علا * وتناهى رفعة وسنا
بسليمان الزمان حوى * افتخاراً فائقاً حسنا
جاء تاريخ له عجب * «منبر السلطان تمّ بنا»
انتهى. 51
منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 311-312؛ نقلاً عن الأرج المسكي لعلي بن عبد القادر الطبري.

فائدة: أوّل من بلّط المطاف الشريف عبد الله بن الزبير لمّا بنى الكعبة وفرغ من بنائها بقيت معه من الحجارة بقيّة فرشَ بها حول البيت نحواً من عشر أذرع، وترخيم المطاف سنة ألف وخمس وعشرين، تاريخه المصراع الأخير
نظم:
سألتُ أهل بيته * بالبيت حين طافوا
تاريخاً فقالوا * قد رخّم المطاف

صِفَة المسعى
وأما المسعى فهو بين الصفا والمروة وهما جبلان شرقيّان: الأوّل: مائل إلى جنوب البيت الشريف. والثاني: مائل إلى شماله، وما بينهما ـ يعني من العقد الأوسط من عقود الصفا إلى فرشة البلاط التي بالمروة من داخل العقد ـ سبع وسبعون وسبعمائة ذراع، بتقديم السين على الموحّدة في الثلاثة.
أما الصفا فهو مبدأ السعي وهو في الأصل جبل أبي قبيس وهو مكانٌ مرتفع له ثمان درجة [له ثماني درجات أو درج] وفيه ثلاث عقود، قال الأزرقي: ذرع ما بين ركن الحجر الأسود إلى الصّفا مائتا ذراع واثنان وستّون ذراعاً وثمانية عشر إِصبعاً. انتهى. 52
أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 118.

وأما المروة فهي الموضع الذي هو منتهى السعي في أصل جبل قعيقعان، له أربع درج وعقد، ومن تحت هذا العقد إلى أول درجة الدكّة التي بالمروة داخل العقد سبع أذرع.
وما بين الصفا والمروة الميلان الأخضران، هما العلمان اللّذان أحدهما في ركن المسجد الحرام الذي فيه المنارة التي عند باب المسجد الحرام المسمّى بباب عليّ، والأُخرى في جدار باب المسجد الحرام المسمّى بباب عبّاس، والميلان المقابلان لهذين العلمين أحدهما في موضع دار العبّاس، والآخر موضع دار عبّاد بن جعفر، وإسراع الساعي إذا توجّه من الصفا إلى المروة ما بين العلمين لأنه محلّ الانصباب من بطن الوادي.

أما منارات المسجد الحرام فسبع
أوّلها: منارة باب العمرة، عمّرها الجواد الوزير الأصفهاني في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وجدّد مأذنتها المرحوم السلطان سليم خان في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة.
وثانيها: منارة باب السلام، عمّرها المهدي بن المنصور العبّاسي في سنة ثمان وستّين ومائة.
وثالثها: منارة باب عليّ، عمّرها المهدي أيضاً، جُدّد مأذنتها بأمر السلطان سليم خان طاب ثراه.
ورابعها: منارة باب الحزوزة، وهي أيضاً من بناء المهدي، ثمّ جُدّدت بأمر الملك الأشرف شعبان في محرّم سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بتقديم السّين فيهما.
وخامسها: منارة باب الزيادة، بناها المعتضد العبّاسي، وجُدّدت بأمر الأشرف برسباي في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بالمثلّثات.
وسادسها: منارة مدرسة السلطان قايتباي إلى جهة المسعى بغاية التصنيع.
وسابعها: منارة السلطان سليمان خان تغمّده الله بالرحمة والرضوان فيما بين باب السلام وباب الزيادة، وفرغ من بنائها في سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة.
وهذه المنائر السبعة التي هي حول المسجد الحرام.
وأمّا في مكّة كانت خمسين [فكانت خمسون] منارةً في الشّعاب والمحلاّت والفجاج، كلّها مهدومة ما بقي شيء منها إلا منارة على مسجد الراية، وهي عتيقة لا يعلم من بناها، يؤذّنون [يؤذن] فيها بعض أهل المحلّ في شهر رمضان، ويعلّق قنديلاً ويطفيها بعد السحور إعلاماً بدخول الفجر.

مدارس مكّة المعظّمة
وأما المدارس التي حول المسجد الحرام، ففي ليلة السبت الثامن من شهر رمضان المبارك بعد التراويح والطواف تردّدتُ مع حبيبي الشيخ عثمان راضي الشّاعر إلى المدارس، وهي اثنتا عشرة مدرسة حول المسجد الحرام:
أوّلها: مدرسة الملك الأفضل عبّاس بن المجاهد صاحب اليمن بالجانب الشرقي من المسجد الحرام، وقفها على الشافعية.
ثانيها: مدرسة دار العجلي على يسار الداخل إلى المسجد الحرام، أنشأها الأمير أرغون للحنفية.
ثالثها: مدرسة الزّنجيلي نائب عدن للحنفيّة على باب العمرة.
رابعها: مدرسة الملك المنصور عُمر صاحب اليمن للشافعية، ودرس حديث.
خامسها: مدرسة طابة الزمان الحبشيّة عشيقة المستضيء العبّاسي على عشرة من فقهاء الشافعية، وهي من دار زبيدة.
سادسها: مدرسة المنصور غياث الدين بن المظفّر أعظم شاه الهندي على المذاهب الأربعة.
سابعها: مدرسة الملك المجاهد صاحب اليمن بالجانب الجنوبي من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية.
ثامنها: مدرسة أبي علي بن أبي بكر.
تاسعها: مدرسة الأرسوفي بقرب باب العمرة.
عاشرها: مدرسة ابن الحدّاد على المالكية.
حادي عشرها 53
إضافة من نسخة جامعة طهران؛ فقد محي من الأصل.
: مدرسة النهاوندي.
ثاني عشرها 54
إضافة من نسخة جامعة طهران؛ فقد محي أيضاً من الأصل.
: مدرسة السلطان الأشرف قايتباي بين باب بني شيبة وباب الجنائز بوسط المسعى، و جعلها على الأئمّة الأربعة رضي الله تعالى عنهم.
ولحجرات هذه المدارس شبّاك وغرف وأبواب تُفتح في الحرم الشريف، ولبعض هذه المدارس بابان يفتح أحدهما في الحرم والآخر في الخارج.

في الرباطات
وفي ليلة السبت الخامس عشرة من شهر رمضان المبارك بعد التراويح والطواف ذهبتُ إلى الأربطة والتمستُ دعاء مجاوريها؛ والعمران منها في سنة مجاورتي ـ وهي سنة 1313 ـ خمسة وأربعون رباطاً:
منها: رباط الأمير إقبال المستنصري العبّاسي تحت منارة بني شيبة.
ومنها: رباط أُمّ الخليفة الناصر العبّاسي ويُعرَف الآن بالعطيفة، تاريخ وقفه سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
ومنها: رباط الحافظ بن مندة الأصفهاني على باب الزيادة دار الندوة.
ومنها: رباط في قارع السويقة.
ومنها: رباط صالحة.
ومنها: رباط الفقاعيّة كلاهما عند باب زيادة المنفرد.
ومنها: رباط السدّة للقزويني خارج المسجد الحرام.
ومنها: رباط الخاتون قبالة رباط القزويني.
ومنها: رباط الزنجيلي صاحب المدرسة.
ومنها: رباط الخوزي.
ومنها: رباط الشيخ أبي القاسم رامشت عند باب الحزورة بناه في سنة ثلاثين وخمسمائة.
ومنها: رباط الشريف حسن بن عجلان صاحب مكّة.
ومنها: رباط محمد بن فرج.
ومنها: رباط ابن أبي شاكر وزير مصر.
ومنها: رباط السلطان شاه شاع صاحب فارس قبالة باب الصّفا.
ومنها: رباط البانياسي بجواره.
ومنها: رباط الملك الناصر محمد بن قلاوون في موضع دار العبّاس (رض) عمّ النبي (ص)، و تقدّم أنّ الدّعاء فيه مستجاب.
ومنها: رباط أبي القاسم الطّيبي.
ومنها: رباط التميمي عند المروة ووقف عليه حمّام أجياد.
ومنها: رباط علي بن أبي بكر العطّار.
ومنها: رباط أبي سماحة بقرب المحزرة.
ومنها: رباط الأخلاطي.
ومنها: رباط لعبطة بن خليفة أحد تجّار مكّة المشرّفة.
ومنها: رباط سعيد الهندي.
ومنها: بيت المؤذّنين كالرباط للخوزي أيضاً.
ومنها: زاوية أُمّ سليمان المتصوّفة كالرباط، وهذه الثلاثة بسوق اللّيل.
ومنها: رباط الزّيت بأجياد.
ومنها: رباط الساحة تساعدت في وقفه عدّة نسوة.
ومنها: رباط ابن الملك صلاح الدين يوسف إلى جانب رباط الشريف حسن أمير مكّة.
ومنها: رباط بنت التّاج.
ومنها: رباط المسكينية.
ومنها: رباط السبتية.
ومنها: رباط بنت الحراني.
ومنها: رباط الورّاق بقرب باب إبراهيم.
ومنها: رباط الموفّق الإسكندري.
ومنها: رباط الطويل.
ومنها: رباط أُمّ أولاد الأشرف صاحب اليمن.
ومنها: رباط ابن السود.
ومنها: رباط ابن غنايم، كلاهما عند الدريبة.
ومنها: رباط النساء.
ومنها: رباط الرجال، كلاهما في المسعى عند الصفا، أنشأهما الملك الأشرف قايتباي.
ومنها: رباط أم الحسين بنت قاضي مكة.
ومنها: رباط إبراهيم الاصفهاني بزقاق الحجر.
فهذا الذي بمكة المشرفة من الأربطة أجزل الله ثواب واقفيها ووسّع رزق قاطنيها. كل هذه الأربطة مملوة من فقراء البلاد البعيدة من الهندي والأفغاني والفارسي والتركي والمغربي والحبشي وغيرهم.

مصادر التحقيق:
1. القرآن الكريم.
2. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق: رُشدي الصالح ملحس، مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، ط 4، 1403هـ / 1983م.
3. تاج العروس من جواهر القاموس، السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، 1385هـ / 1965م.
4. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي، بيروت: دار الفكر، 2005م.
5. الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت: دار الكتاب العربي، 1404هـ / 1984م.
6. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، جعفر بن خضر كاشف الغطاء، قم: دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه، 1380ش.
7. منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم، علي بن تاج الدين السنجاري، تحقيق: جميل عبد الله محمد المصري، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، ط 1، 1419هـ / 1998م.

  • كذا يبدو في الأصل، والوَعْوَعي: "الرجل الظريف الشهم"، كما في تاج العروس للزبيدي، ج 22، ص 329.
  • منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 473.
  • أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 81.
  • قال المؤلف في الهامش: "هكذا في منائح الكرم مكتوب، لعله غلط".
  • أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 125.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • آل عمران: 96-97.
  • المائدة: 97.
  • البقرة: 127-128.
  • هذه الفائدة لم ترد في نسخة جامعة طهران.
  • كذا في الأصل؛ وهو الملك المظفر شمس الدين يوسف بن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول الغساني، ثاني ملوك الدولة الرسولية في اليمن.
  • الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، ج 2، ص 688-689.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • في نسخة المجلس: بسكون الجيم.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • في أخبار مكة للأزرقي: أحمد بن طريف، وهو مولى العباس بن محمد الهاشمي.
  • الخبر مذكور في منائح الكرم للسنجاري، ج 2، ص 161-162؛ وقريب منه في أخبار مكة للأزرقي، ج 1، ص 317. ولم أجد الخبر في كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام لقطب الدين المكي النهروالي.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • كذا في الأصل، و"بندر" كلمة فارسية معناها: "ميناء".
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسخة المجلس.
  • إضافة من نسخة جامعة طهران.
  • البقرة: 125.
  • البقرة: 125.
  • البقرة: 125.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 61.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • في نسخة جامعة طهران: "فتح الغدير".
  • كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء للشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج 2، ص 436.
  • رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 5.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • إضافة من نسخة المجلس.
  • هذه العبارة إضافة من نسخة المجلس، ولم ترد في نسخة جامعة طهران.
  • ما بين المعقوفتين إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • إضافة من نسختي المجلس وجامعة طهران.
  • في نسخة المجلس: "سليمان".
  • كذا في الأصل، لم يذكر المؤلف التاريخ.
  • هو قاضي القضاة صلاح الدين أبو المحاسن محمد بن أبي السعود ابن ظهيرة القُرَشي المَكّي، المتوفى سنة 940هـ.
  • إضافة من منائح الكرم.
  • هذا البيت وهو التاريخ، يساوي بحساب الجمل سنة 966هـ، وذلك مخالف لما أورده السنجاري في أول الخبر وهو سنة 956هـ.
  • منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 309-311.
  • هو المؤرخ علي بن عبد القادر بن محمد بن يحيى الحسيني الطبري الشافعي المكّي، المتوفى 1070هـ.
  • في منائح الكرم: سنة 966، وهو يوافق التواريخ الشعرية في حساب الجمل.
  • ويُقصد بالشيخ علي هذا: علي بن حسن باكثير، كما ذُكر في منائح الكرم.
  • إضافة من منائح الكرم.
  • إضافة من منائح الكرم.
  • هذه الكلمة غير منقوطة في الأصل، وقد ضبطناها عن منائح الكرم.
  • منائح الكرم للسنجاري، ج 3، ص 311-312؛ نقلاً عن الأرج المسكي لعلي بن عبد القادر الطبري.
  • أخبار مكة للأزرقي، ج 2، ص 118.
  • إضافة من نسخة جامعة طهران؛ فقد محي من الأصل.
  • إضافة من نسخة جامعة طهران؛ فقد محي أيضاً من الأصل.
ميقات الحج، العدد 45
چهارشنبه ۲۰ مرداد ۱۳۹۵ ساعت ۱۱:۲۳
نظرات



نمایش ایمیل به مخاطبین





نمایش نظر در سایت