لقد ضاعت أحوال الكثير من رجال الحديث عند الشيعة الإمامية، وخفيت علينا تراجمهم؛ والثلّة القليلة التي وصلتنا معلومات وافية عنهم من خلال المصادر التاريخية هم أقل عدداً ممّن لم تصل إلينا تفاصيل حياتهم. ومن هؤلاء الرجال من تتبعثر المعلومات عنهم في ثنايا مصادر تاريخية أخرى، قد لا يتوقّع الباحث أنها تحتوي على شيءٍ من المعلومات عنهم.
ويُعدّ الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد الموسويّ العلويّ من محدّثي الشيعة الّذين لا تحتوي مصادر الرجال والحديث عند الطائفة الإمامية على تفاصيل كثيرة عن حياته، بينما تزوّدنا المصادر التاريخية الأخرى على معلوماتٍ تُلقي الضوء على جوانب مجهولة من حياته. وقد حاولنا في هذا المقال أن نجمع المعلومات المبعثرة عن هذا الشريف العلوي في ثنايا عامّة المصادر التاريخية.
وهذا الشريف هو محدّثٌ جليلٌ، من سلالة الإمام الكاظم (عليه السلام)، ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في باب «ذكر أسماء مَن لم يَرْوِ عن واحدٍ من الائمة»، ووصفه بعد سرد نسبه إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) بأنه: «العلويّ الحسينيّ الموسويّ المصريّ»، وقال عنه أنه: «روى عنه التلّعكبري، وكان سماعه منه سنة أربعين وثلاثمائة بمصر، وله منه إجازة.»
اسمه ونسبه:
وقد ورد نسبه في العديد من مصادر ترجمته، ولا سيّما كتب الأنساب، ومنها: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ج6، ص352)، والفخري في أنساب الطالبيين للمروزي الأزورَقاني (ص16-17)، والشجرة المباركة في أنساب الطالبية المنسوب إلى فخر الدين الرازي (ص 105)، والأصيلي في أنساب الطالبيّين لابن الطقطقي (ص190)، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة (ص274)، وتُحفة الأزهار وزُلال الأنهار لضامن بن شدقم (ج3، ص272)، على أنه: «أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).»
وقد ورد هذا النسب بهذه الصورة، صحيحاً موافقاً للمصادر التاريخية، في الطبعة القديمة لكتاب الرجال للشيخ الطوسي (طبعة المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف، ص460)، كما في نُسخ مخطوطة من الكتاب، منها النسخة المحفوظة في المكتبة الوطنية في طهران برقم 1270، وقد نسخها فضل الله بن محمد في سنة 984هـ.
أما في النسخة المطبوعة من رجال الطوسي بتحقيق الشيخ جواد القيّومي الإصفهاني (طبعة جامعة المدرسين بقم، ص419)، والموافقة للنسخة المخطوطة القديمة من الكتاب، والمحفوظة في المكتبة البريطانية، والتي نسخها السيّد الشريف محمد بن سراهنك بن المرتضى الحسيني في سنة 533هـ، فقد سقط في نسب الرجل اسم «محمد» بين عبيد الله وإبراهيم، فذُكر نسبه على أنه «جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام).» وهذا النسب ورد ناقصاً كذلك، في إسناد روايةٍ في كامل الزيارات لابن قولويه القمي (الباب 65، الحديث 1، ص172 بتحقيق: بهراد الجعفري).
ممّن ترجم له:
ومن أوائل المؤرخين الذين ترجموا للشريف جعفر العلوي، المؤرخ المصري القديم ابن زولاق (ت 386هـ)، حيث زوّدنا بتفاصيل مهمة عنه عند ذكره للأشراف العلويّين الذين دخلوا مصر في كتابه فضائل مصر وأخبارها وخواصها (ص46) قائلاً: «ودخلها أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان شيخاً فاضلاً مُحدّثاً، حجّ وحجّ به ثمانين حجّة، حدّثني بذلك عن ثقةٍ، وتوفي بمكة سنة أربعين وثلاثمائة، وأعقب بمصر ولداً كثيراً.» وواضحٌ أن إضافة محمدٍ آخر في نسبه بين إبراهيم وعبيد الله هو خطأ من المؤلف، أو تصحيف من النساخ، على الأرجح. وهذه الترجمة تفسّر نسبته بـ«المصري»، كما ورد في رجال الطوسي.
ويظهر مما ذكره المؤرخ المصري الكبير الآخر، تقي الدين المقريزي (ت 845هـ) في كتابه اتّعاظ الحُنَفا بأخبار الأئمة الفاطميّين الخلفا (ج1، ص142)، أنّ الشريف الموسوي كان يحظى بمكانة مرموقة عند أمراء بني الإخشيد، حيث كان يقوم بمهمّة إرسال شمسة الكعبة إلى مكة المكرمة ليتمّ وضعها على كسوة الكعبة، وكان قد عملها كافور لمولاه أونوجور بن الإخشيد، واستمرّ بعده وُلده في إرسال الشمسة من مصر إلى الحرم المكّي، حيث كان يسير بها بعده ابنه أبو الحسين، ثم بعده ابنه مسلم، ثم بعده أخوه أبو تراب، إلى أن أخذها القائد جوهر من أبي تراب بعد دخول الفاطميّين إلى القاهرة.
أما ابن حزم الأندلسي (ت 456هـ) فقد ترجم للشريف جعفر العلوي ثلاث مرّات في كتابه جمهرة أنساب العرب باعتباره ثلاثة أشخاص، دون أن ينتبه إلى اتّحاد هؤلاء وأنهم ليسوا إلا شخص واحد.
فقد ذكره في الترجمة الأولى له في أحفاد عبيد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام)، قائلاً: «وَلَدُ عُبيد الله بن جعفر: محمد. من ولده كان جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله المذكور، مُحدّثٌ فاضلٌ، مات بمكّة سنة 341، وقد قارب المائة سنة، وكان يروي عن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ.» (جمهرة أنساب العرب، ص62) ويتّضح أن مصدر الخطأ هنا، اعتبار جدّه عبيد الله من أولاد الإمام الصادق (عليه السلام)، بينما هو حفيد الإمام، وليس ولده.
أما في الترجمة الثانية له، فقد أورده في ضمن أحفاد عبد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قائلاً: «من ولده: جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله المذكور بن موسى بن جعفر، محدّثٌ بمكّة.» (جمهرة أنساب العرب، ص64)
أما في الترجمة الثالثة له، فقد ذكره ضمن وُلد عبيد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قائلاً: «من ولده: جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى، محدّث، مات بمكّة في موسم سنة 339؛ روى عنه ابن مفرج، وروى هو عن محمد بن إسماعيل الترمذي، وأبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، وغيرهما.» (جمهرة أنساب العرب، ص65)
ومن مؤرخي مصر الآخرين، ممّن كتبوا في خطط مصر ومزاراتها، ابن الزَيّات المصري (ت 814هـ)، حيث ترجم للشريف جعفر الموسوي نقلاً عن الشريف محمد بن أسعد الجوّاني (ت 588هـ)، وحدّد موضع قبره في القاهرة، ولكن كونه مدفوناً بمصر ينقضه قول بعض المؤرخين كابن حزم وابن زولاق من أنه توفي بمكة. وعلى أي حال، إليكم نصّ ما ذكره ابن الزيّات في ترجمة الشريف العلوي ووصف موضع قبره، في كتابه الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة (ص95-96):
«ثمّ تخرج من المشهد [أي مشهد يحيى بن الحسن الأنور] قاصداً مشهد القاسم الطيّب ... تجد على اليسار حوشاً به جعفر الجمّال ... وبهذا الحوش قبر السيّد الشريف جعفر الموسوي المعروف بالجمّال من ولد موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، ذكره الأسعد النسّابة. ومن أهل التاريخ مَن قال أنه مدفون بتربة القاسم الطيّب، ومنهم من قال أنه بهذا الحوش. قال الأسعد النسّابة إنه غربي مشهد القاسم. وهذا دليلٌ أنه ليس بتربة القاسم الطيّب، ولو كان بمشهد القاسم لأشار إليه وأنه بهذا الحوش، والحوش ملاصقٌ للمشهد. حكى الأسعد النسّابة أنه حجّ ثمانين حجة، وكانت له جمال كثيرة تكرى وتحمل إلى الحجاز، وكان نقيب مكة، وله عقب بأماكن شتّى، منهم بقيّة بمصر يسيرة، وجعفر الجمّال هو شيخ الميمون بن حمزة الحسيني، وفي قبره جماعة من ولده وولد ولده، وهم الكلّ يُزارون ويُقصدون، وعلى قبره مشاهد وأثر. قال المؤلف: والموضع الآن حوشٌ داثرٌ.»
وتفيدنا مصادر الأنساب الأخرى بتفاصيل أخرى عن الرجل، وبخاصّة فيما يتعلّق بأولاده وأعقابه. فقد قال عنه ابن الطقطقي في كتابه الأصيلي (ص190): «أما أبو القاسم جعفر بن محمد، فهو النقيب، وكان من أهل الحديث، ولُقّب بالجَمّال لكثرة جماله، وكان سيّداً كبيراً، أميراً عظيماً، كريماً شجاعاً بطلاً، صاحب علمٍ وعملٍ وسيادةٍ، وله ستّة أولادٍ: حمزة، وعلي الشعراني، وعبد الله ـ وله علي ـ، وموسى، وعُبيد الله، وأبوعلي إسماعيل بمكة.»
أما إسماعيل المروزي الأزورَقاني فقد عرّف بصاحب الترجمة وأجداده كما يلي: «وأما عبيد الله بن موسى الكاظم (عليه السلام) فعقبه من ثلاثة رجال: القاسم شاشة، وجعفر القرة، ويلقّب "أبا سيدة" بالمراغة، ومحمد اليماني بمكّة. ... وأمّا محمد اليماني ابن عبيد الله [بن] الكاظم (عليه السلام) فعقبه من إبراهيم الأكبر وحده بمكة. ... وعقبه من رجلين: محمد الأكبر المعروف بـ«حمار الدار» ويقال: «حمار الداري»، وأحمد الشّعراني بهمذان قتيل القرامطة. ولهما أعقاب كثيرة. ... وعقب محمد حمار الدار ثلاثة رجال: جعفر أبو القاسم الجمّال النقيب بمكة، ويعرف بـ«أحمر عينه»، له ذيلٌ طويل، وعلي، وإبراهيم الأصغران، مُقلان.» (الفخري، ص16-17)
كما ترجم المؤرخ الكبير ابن عساكر (ت 571هـ) لحفيده أبي جعفر إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر المكّي في تاريخ مدينة دمشق (ج6، ص351-352)، ووصفه بـ«القاضي الخطيب وإمام الحرمين»، وذكر أنه توفّي سنة 399هـ. علماً أنه عرّفه أولاً بأنه «إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الحسيني الموسوي»، وفي هذا النسب سقط «إبراهيم بن محمد» بين اسمي محمد وعُبيد الله. ثم أورد نسبه مرّةً أخرى صحيحاً هكذا: «أبو جعفر إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر الحسيني.»
وأخيراً، يمكن استخلاص قائمة بأسماء مشايخه في الرواية، وبأسماء الرُّواة عنه أيضاً، من خلال مصادر الحديث والتاريخ، وإليكم بالقائمتين:
أما مشايخه، فمنهم:
1. عبد الله بن أحمد بن نَهيك: وقد روى أبو القاسم جعفر الموسوي عنه، وروى هو بدوره عن محمد بن أبي عمير، بإسناده إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، روايتين في ثواب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما في كامل الزيارات (تحقيق: بهراد الجعفري، ص172، الباب 65، الحديث 1 و2).
ويظهر ممّا ذكره النجاشي في رجاله (ترجمة محمد بن أبي عمير، ص327؛ ترجمة حريز بن عبد الله، ص145)، أن الشريف أبا القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم كان يعبّر عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك بمعلّمه أو مؤدّبه. ويظهر من ترجمته لحريز في رجاله (ص145) أن الشريف أبا القاسم قرأ على عبيد الله بن أحمد بن نَهيك كتاب الصلاة الكبير لحريز بن عبد الله.
2. أبو حاتم الرازي (ت 277هـ): أفاد ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص62 و65) برواية الشريف عنه. وهو المحدّث الشهير أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، صاحب كتاب الجرح والتعديل.
3. محمد بن إسماعيل: أفاد ابن حزم في جمهرته (ص62) برواية الشريف عن محمد بن إسماعيل الصائغ. وهو أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن سالم البغدادي الصائغ، نزيل مكة، والمتوفى بها سنة 276هـ، كما في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ج3، ص513). بينما أفاد ابن حزم في موضع آخر من كتابه (ص65) أن الشريف جعفر العلوي روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي، وهذا الرجل كان نزيل بغداد، وتوفي سنة 280هـ، كما في تهذيب التهذيب (ج3، ص514-515)، ونظنّ أنه ربما حدث هناك خلط بينه وبين محمد بن إسماعيل الصائغ المذكور أعلاه، حيث إنّ كونه نزيل مكة، يرجّح رواية الشريف جعفر عنه.
أما الرُّواة عنه، فمنهم:
1. أبو القاسم جعفر بن محمد، ابن قولويه القمي (ت 369هـ): وقد تقدّم أنه روى عنه في كامل الزيارات روايتين في ثواب زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
2. هارون بن موسى التلعكبري (ت 385هـ): وقد تقدّم أنه روى عن أبي القاسم العلوي وسمع منه سنة 340هـ بمصر، وأن له منه إجازة، كما في رجال الطوسي.
3. القاضي محمد بن عثمان النصيبي: ذكر النجاشي في رجاله (ص327) في ترجمة محمد بن أبي عمير، أن النوادر التي رواها عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير، سمعها من القاضي محمد بن عثمان النصيبي، وهو قرأها على الشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم. وذكر في ترجمة حريز بن عبد الله (ص145) أنه قرأ كتاب الصلاة الكبير على القاضي محمد بن عثمان، وهو قرأه على الشريف أبي القاسم جعفر، وهو على مؤدّبه عبيد الله بن أحمد بن نَهيك.
4. ابن مفرج: وقد أفاد ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص65) بروايته عن الشريف أبي القاسم. وابن مفرج هذا هو الفقيه المحدّث محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج القرطبي (ت 380هـ).
5. الشريف الميمون بن حمزة العلوي: وقد ذكر ابن الزيّات في الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة (ص169) أنه «روى عن جعفر الجمّال الموسوي ابن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى الكاظم.» ولا شكّ أن اسم عبد الله في هذا النسب تصحيف لعبيد الله.
نُشر هذا المقال في مجلة كتاب شيعة، العدد 15-16، سنة 1396 هجرية شمسية، ص51-55.
ويُعدّ الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد الموسويّ العلويّ من محدّثي الشيعة الّذين لا تحتوي مصادر الرجال والحديث عند الطائفة الإمامية على تفاصيل كثيرة عن حياته، بينما تزوّدنا المصادر التاريخية الأخرى على معلوماتٍ تُلقي الضوء على جوانب مجهولة من حياته. وقد حاولنا في هذا المقال أن نجمع المعلومات المبعثرة عن هذا الشريف العلوي في ثنايا عامّة المصادر التاريخية.
وهذا الشريف هو محدّثٌ جليلٌ، من سلالة الإمام الكاظم (عليه السلام)، ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في باب «ذكر أسماء مَن لم يَرْوِ عن واحدٍ من الائمة»، ووصفه بعد سرد نسبه إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) بأنه: «العلويّ الحسينيّ الموسويّ المصريّ»، وقال عنه أنه: «روى عنه التلّعكبري، وكان سماعه منه سنة أربعين وثلاثمائة بمصر، وله منه إجازة.»
اسمه ونسبه:
وقد ورد نسبه في العديد من مصادر ترجمته، ولا سيّما كتب الأنساب، ومنها: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ج6، ص352)، والفخري في أنساب الطالبيين للمروزي الأزورَقاني (ص16-17)، والشجرة المباركة في أنساب الطالبية المنسوب إلى فخر الدين الرازي (ص 105)، والأصيلي في أنساب الطالبيّين لابن الطقطقي (ص190)، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة (ص274)، وتُحفة الأزهار وزُلال الأنهار لضامن بن شدقم (ج3، ص272)، على أنه: «أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).»
وقد ورد هذا النسب بهذه الصورة، صحيحاً موافقاً للمصادر التاريخية، في الطبعة القديمة لكتاب الرجال للشيخ الطوسي (طبعة المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف، ص460)، كما في نُسخ مخطوطة من الكتاب، منها النسخة المحفوظة في المكتبة الوطنية في طهران برقم 1270، وقد نسخها فضل الله بن محمد في سنة 984هـ.
أما في النسخة المطبوعة من رجال الطوسي بتحقيق الشيخ جواد القيّومي الإصفهاني (طبعة جامعة المدرسين بقم، ص419)، والموافقة للنسخة المخطوطة القديمة من الكتاب، والمحفوظة في المكتبة البريطانية، والتي نسخها السيّد الشريف محمد بن سراهنك بن المرتضى الحسيني في سنة 533هـ، فقد سقط في نسب الرجل اسم «محمد» بين عبيد الله وإبراهيم، فذُكر نسبه على أنه «جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام).» وهذا النسب ورد ناقصاً كذلك، في إسناد روايةٍ في كامل الزيارات لابن قولويه القمي (الباب 65، الحديث 1، ص172 بتحقيق: بهراد الجعفري).
ممّن ترجم له:
ومن أوائل المؤرخين الذين ترجموا للشريف جعفر العلوي، المؤرخ المصري القديم ابن زولاق (ت 386هـ)، حيث زوّدنا بتفاصيل مهمة عنه عند ذكره للأشراف العلويّين الذين دخلوا مصر في كتابه فضائل مصر وأخبارها وخواصها (ص46) قائلاً: «ودخلها أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان شيخاً فاضلاً مُحدّثاً، حجّ وحجّ به ثمانين حجّة، حدّثني بذلك عن ثقةٍ، وتوفي بمكة سنة أربعين وثلاثمائة، وأعقب بمصر ولداً كثيراً.» وواضحٌ أن إضافة محمدٍ آخر في نسبه بين إبراهيم وعبيد الله هو خطأ من المؤلف، أو تصحيف من النساخ، على الأرجح. وهذه الترجمة تفسّر نسبته بـ«المصري»، كما ورد في رجال الطوسي.
ويظهر مما ذكره المؤرخ المصري الكبير الآخر، تقي الدين المقريزي (ت 845هـ) في كتابه اتّعاظ الحُنَفا بأخبار الأئمة الفاطميّين الخلفا (ج1، ص142)، أنّ الشريف الموسوي كان يحظى بمكانة مرموقة عند أمراء بني الإخشيد، حيث كان يقوم بمهمّة إرسال شمسة الكعبة إلى مكة المكرمة ليتمّ وضعها على كسوة الكعبة، وكان قد عملها كافور لمولاه أونوجور بن الإخشيد، واستمرّ بعده وُلده في إرسال الشمسة من مصر إلى الحرم المكّي، حيث كان يسير بها بعده ابنه أبو الحسين، ثم بعده ابنه مسلم، ثم بعده أخوه أبو تراب، إلى أن أخذها القائد جوهر من أبي تراب بعد دخول الفاطميّين إلى القاهرة.
أما ابن حزم الأندلسي (ت 456هـ) فقد ترجم للشريف جعفر العلوي ثلاث مرّات في كتابه جمهرة أنساب العرب باعتباره ثلاثة أشخاص، دون أن ينتبه إلى اتّحاد هؤلاء وأنهم ليسوا إلا شخص واحد.
فقد ذكره في الترجمة الأولى له في أحفاد عبيد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام)، قائلاً: «وَلَدُ عُبيد الله بن جعفر: محمد. من ولده كان جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله المذكور، مُحدّثٌ فاضلٌ، مات بمكّة سنة 341، وقد قارب المائة سنة، وكان يروي عن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ.» (جمهرة أنساب العرب، ص62) ويتّضح أن مصدر الخطأ هنا، اعتبار جدّه عبيد الله من أولاد الإمام الصادق (عليه السلام)، بينما هو حفيد الإمام، وليس ولده.
أما في الترجمة الثانية له، فقد أورده في ضمن أحفاد عبد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قائلاً: «من ولده: جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله المذكور بن موسى بن جعفر، محدّثٌ بمكّة.» (جمهرة أنساب العرب، ص64)
أما في الترجمة الثالثة له، فقد ذكره ضمن وُلد عبيد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قائلاً: «من ولده: جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى، محدّث، مات بمكّة في موسم سنة 339؛ روى عنه ابن مفرج، وروى هو عن محمد بن إسماعيل الترمذي، وأبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، وغيرهما.» (جمهرة أنساب العرب، ص65)
ومن مؤرخي مصر الآخرين، ممّن كتبوا في خطط مصر ومزاراتها، ابن الزَيّات المصري (ت 814هـ)، حيث ترجم للشريف جعفر الموسوي نقلاً عن الشريف محمد بن أسعد الجوّاني (ت 588هـ)، وحدّد موضع قبره في القاهرة، ولكن كونه مدفوناً بمصر ينقضه قول بعض المؤرخين كابن حزم وابن زولاق من أنه توفي بمكة. وعلى أي حال، إليكم نصّ ما ذكره ابن الزيّات في ترجمة الشريف العلوي ووصف موضع قبره، في كتابه الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة (ص95-96):
«ثمّ تخرج من المشهد [أي مشهد يحيى بن الحسن الأنور] قاصداً مشهد القاسم الطيّب ... تجد على اليسار حوشاً به جعفر الجمّال ... وبهذا الحوش قبر السيّد الشريف جعفر الموسوي المعروف بالجمّال من ولد موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، ذكره الأسعد النسّابة. ومن أهل التاريخ مَن قال أنه مدفون بتربة القاسم الطيّب، ومنهم من قال أنه بهذا الحوش. قال الأسعد النسّابة إنه غربي مشهد القاسم. وهذا دليلٌ أنه ليس بتربة القاسم الطيّب، ولو كان بمشهد القاسم لأشار إليه وأنه بهذا الحوش، والحوش ملاصقٌ للمشهد. حكى الأسعد النسّابة أنه حجّ ثمانين حجة، وكانت له جمال كثيرة تكرى وتحمل إلى الحجاز، وكان نقيب مكة، وله عقب بأماكن شتّى، منهم بقيّة بمصر يسيرة، وجعفر الجمّال هو شيخ الميمون بن حمزة الحسيني، وفي قبره جماعة من ولده وولد ولده، وهم الكلّ يُزارون ويُقصدون، وعلى قبره مشاهد وأثر. قال المؤلف: والموضع الآن حوشٌ داثرٌ.»
وتفيدنا مصادر الأنساب الأخرى بتفاصيل أخرى عن الرجل، وبخاصّة فيما يتعلّق بأولاده وأعقابه. فقد قال عنه ابن الطقطقي في كتابه الأصيلي (ص190): «أما أبو القاسم جعفر بن محمد، فهو النقيب، وكان من أهل الحديث، ولُقّب بالجَمّال لكثرة جماله، وكان سيّداً كبيراً، أميراً عظيماً، كريماً شجاعاً بطلاً، صاحب علمٍ وعملٍ وسيادةٍ، وله ستّة أولادٍ: حمزة، وعلي الشعراني، وعبد الله ـ وله علي ـ، وموسى، وعُبيد الله، وأبوعلي إسماعيل بمكة.»
أما إسماعيل المروزي الأزورَقاني فقد عرّف بصاحب الترجمة وأجداده كما يلي: «وأما عبيد الله بن موسى الكاظم (عليه السلام) فعقبه من ثلاثة رجال: القاسم شاشة، وجعفر القرة، ويلقّب "أبا سيدة" بالمراغة، ومحمد اليماني بمكّة. ... وأمّا محمد اليماني ابن عبيد الله [بن] الكاظم (عليه السلام) فعقبه من إبراهيم الأكبر وحده بمكة. ... وعقبه من رجلين: محمد الأكبر المعروف بـ«حمار الدار» ويقال: «حمار الداري»، وأحمد الشّعراني بهمذان قتيل القرامطة. ولهما أعقاب كثيرة. ... وعقب محمد حمار الدار ثلاثة رجال: جعفر أبو القاسم الجمّال النقيب بمكة، ويعرف بـ«أحمر عينه»، له ذيلٌ طويل، وعلي، وإبراهيم الأصغران، مُقلان.» (الفخري، ص16-17)
كما ترجم المؤرخ الكبير ابن عساكر (ت 571هـ) لحفيده أبي جعفر إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر المكّي في تاريخ مدينة دمشق (ج6، ص351-352)، ووصفه بـ«القاضي الخطيب وإمام الحرمين»، وذكر أنه توفّي سنة 399هـ. علماً أنه عرّفه أولاً بأنه «إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الحسيني الموسوي»، وفي هذا النسب سقط «إبراهيم بن محمد» بين اسمي محمد وعُبيد الله. ثم أورد نسبه مرّةً أخرى صحيحاً هكذا: «أبو جعفر إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر الحسيني.»
وأخيراً، يمكن استخلاص قائمة بأسماء مشايخه في الرواية، وبأسماء الرُّواة عنه أيضاً، من خلال مصادر الحديث والتاريخ، وإليكم بالقائمتين:
أما مشايخه، فمنهم:
1. عبد الله بن أحمد بن نَهيك: وقد روى أبو القاسم جعفر الموسوي عنه، وروى هو بدوره عن محمد بن أبي عمير، بإسناده إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، روايتين في ثواب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما في كامل الزيارات (تحقيق: بهراد الجعفري، ص172، الباب 65، الحديث 1 و2).
ويظهر ممّا ذكره النجاشي في رجاله (ترجمة محمد بن أبي عمير، ص327؛ ترجمة حريز بن عبد الله، ص145)، أن الشريف أبا القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم كان يعبّر عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك بمعلّمه أو مؤدّبه. ويظهر من ترجمته لحريز في رجاله (ص145) أن الشريف أبا القاسم قرأ على عبيد الله بن أحمد بن نَهيك كتاب الصلاة الكبير لحريز بن عبد الله.
2. أبو حاتم الرازي (ت 277هـ): أفاد ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص62 و65) برواية الشريف عنه. وهو المحدّث الشهير أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، صاحب كتاب الجرح والتعديل.
3. محمد بن إسماعيل: أفاد ابن حزم في جمهرته (ص62) برواية الشريف عن محمد بن إسماعيل الصائغ. وهو أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن سالم البغدادي الصائغ، نزيل مكة، والمتوفى بها سنة 276هـ، كما في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ج3، ص513). بينما أفاد ابن حزم في موضع آخر من كتابه (ص65) أن الشريف جعفر العلوي روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي، وهذا الرجل كان نزيل بغداد، وتوفي سنة 280هـ، كما في تهذيب التهذيب (ج3، ص514-515)، ونظنّ أنه ربما حدث هناك خلط بينه وبين محمد بن إسماعيل الصائغ المذكور أعلاه، حيث إنّ كونه نزيل مكة، يرجّح رواية الشريف جعفر عنه.
أما الرُّواة عنه، فمنهم:
1. أبو القاسم جعفر بن محمد، ابن قولويه القمي (ت 369هـ): وقد تقدّم أنه روى عنه في كامل الزيارات روايتين في ثواب زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
2. هارون بن موسى التلعكبري (ت 385هـ): وقد تقدّم أنه روى عن أبي القاسم العلوي وسمع منه سنة 340هـ بمصر، وأن له منه إجازة، كما في رجال الطوسي.
3. القاضي محمد بن عثمان النصيبي: ذكر النجاشي في رجاله (ص327) في ترجمة محمد بن أبي عمير، أن النوادر التي رواها عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير، سمعها من القاضي محمد بن عثمان النصيبي، وهو قرأها على الشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم. وذكر في ترجمة حريز بن عبد الله (ص145) أنه قرأ كتاب الصلاة الكبير على القاضي محمد بن عثمان، وهو قرأه على الشريف أبي القاسم جعفر، وهو على مؤدّبه عبيد الله بن أحمد بن نَهيك.
4. ابن مفرج: وقد أفاد ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص65) بروايته عن الشريف أبي القاسم. وابن مفرج هذا هو الفقيه المحدّث محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج القرطبي (ت 380هـ).
5. الشريف الميمون بن حمزة العلوي: وقد ذكر ابن الزيّات في الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة (ص169) أنه «روى عن جعفر الجمّال الموسوي ابن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى الكاظم.» ولا شكّ أن اسم عبد الله في هذا النسب تصحيف لعبيد الله.
نُشر هذا المقال في مجلة كتاب شيعة، العدد 15-16، سنة 1396 هجرية شمسية، ص51-55.
كتاب شيعة، العدد 15-16، ص51-55
پنجشنبه ۱۵ اسفند ۱۳۹۸ ساعت ۱۲:۵۰
نمایش ایمیل به مخاطبین
نمایش نظر در سایت
۲) از انتشار نظراتی که فاقد محتوا بوده و صرفا انعکاس واکنشهای احساسی باشد جلوگیری خواهد شد .
۳) لطفا جهت بوجود نیامدن مسائل حقوقی از نوشتن نام مسئولین و شخصیت ها تحت هر شرایطی خودداری نمائید .
۴) لطفا از نوشتن نظرات خود به صورت حروف لاتین (فینگلیش) خودداری نمایید .