آخرین نوشته ها
آمار بازدید
بازدیدکنندگان تا کنون : ۸۱٫۱۹۵ نفر
بازدیدکنندگان امروز : ۸ نفر
تعداد یادداشت ها : ۳۵
بازدید از این یادداشت : ۸۸۷

پر بازدیدترین یادداشت ها :
لقد ظهر بمدينة دمشق في العصور الإسلامية الوسطى مزار نُسب إلى امرأة تُدعى "ملكة"، عُدّت من نساء أهل البيت، من ذرية الإمام علي (عليه السلام)، وقد زوّدنا غير واحدٍ من المؤرخين الدمشقيين الكبار، ولا سيما أبو شامة المقدسي (ت 665هـ) وابن طولون الصالحي (ت 953هـ) بمعلومات تتناول قصة المزار منذ ظهوره إلى زواله. فقد ذكر أبو شامة في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث»، أنه في سنة 636هـ / 1238م، رأى من عدّه هذا المؤرخ «بعض من لا يوثق به» مناماً يقتضي أنه دُفن في باب جيرون بعض أهل البيت، وكان قد اعترف لشخص آخر أنه افتعل ذلك، فقطعوا طريق المارّة وجعلوا باب جيرون بكامله مسجداً، وكان قبل ذلك طريقاً يضيق بسالكيه، فتضاعف الضيقُ والحرج على من دخل ومن خرج.1 أبو شامة المقدسي، الباعث على إنكار البدع والحوادث، مكة: مطبعة النهضة الحديثة، ط 2، 1401هـ / 1981م، ص 24-25.
أما ابن طولون، فقد خصص قسماً كبيراً من رسالته الموجزة "قرة العيون في أخبار باب جيرون" بأخبار ضريح السيدة ملكة، إلى درجة أن القارئ قد يظن أنه ألف هذه الرسالة بهدف جمع أخبار هذا الضريح. وقد أورد ابن طولون آراء وأقوال عدد من العلماء والمؤرخين الدمشقيين في هذا المزار، وأشار إلى أن شمس الدين محمد بن أبي بكر الشهير بابن ناصر الدين (ت 842هـ / 1438م) له "جزء" يتعلّق بهذا المكان، ذكر فيه تفاصيل أخرى عن ظهور ضريح الست ملكة. ومما نقله ابن طولون عن ابن ناصر الدين المذكور قوله: «إن سبب هذه البدعة الشنيعة أن بعض السُّؤال جلس عند الباب وسأل الناس من دنياهم، فكأنه لم يُفتح عليه بشيء، فأدخل رأسه في جيبه وزَبق، ثم رفع رأسه صائحاً: يا معشر المسلمين، ها هنا قبر الست ملكة، وأنتم تمشون فوقها. فاجتمع حوله عوامُّ الناس واعتقدوا صدقه اتباعَ كل ناعق. فمنعوا الناس من المرور في ذلك المكان، ثم بنوه مسجداً، وأحدثوا فيه قبراً لا على شيء، ونقشوا على عتبة الباب اسم ملكة بنسبٍ غير صحيح.» وتابع بالقول أنه لم يزل باب جيرون مسدوداً بذلك المسجد إلى أن تعرّض للحريق في فتنة تيمور لنك سنة 803هـ / 1400م، وزال المسجد سوى النقش المذكور على عتبة الباب.2 ابن طولون الصالحي، قرة العيون في أخبار باب جيرون، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دمشق، المجمع العلمي العربي، 1383هـ / 1964م، ص 17-18.
ثم أضاف ابن طولون القول على كلام ابن ناصر الدين، أن المكان المذكور لم يزل كوم تراب عدّة سنين، إلى أن بنى شخصٌ اسمه فارس ـ من خواصّ «كُمُشبُغا طولو» نائب قلعة دمشق بعد سنة 830هـ ـ في هذا المكان جداراً قبليّاً، فصار مخزناً توضَعُ فيه الأخشابُ وغيرُها، وكان يقع فيه منكرات يراها المارة، ووُجد فيه قتيلٌ في بعض الأحيان، ثم تهدّم وزال سقفه، فسعى البعض من الشيعة في تجديد عمارته، فبلغ ذلك أهل السنة من العلماء وغيرهم، فثاروا وصدّوا عن عمارته، ورفعوا القصة للسلطان الملك الأشرف قايتباي، فأصدر مرسوماً بما ذكره علماء أهل السنة في أمر المكان المذكور، وذلك في سنة 892هـ / 1486م، فاجتمع في ذلك المكان خلق كثير بحضور جمع من العلماء والقضاة وغيرهم، وهدموا الجدار القبلي الذي أحدثه فارس المذكور، ولم يكن فيه بناء غيره، وفتح باب جيرون، وأعيد المكان إلى الصفة الأصلية طريقاً للمارّة، وأزيل النقش الموجود على عتبة الباب والذي كان يحوي أيضاً الآية: «إنما يعمّر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ...» [التوبة، 18]. 3 المصدر نفسه، ص 19-22.
وأخيراً يجدر الإشارة إلى أن المؤلف الشيعي محمد بن أبي طالب الموسوي الكركي الدمشقي الحائري (ت بعد سنة 955هـ) زار موقع مزار الست ملكة بعد هدمه وخرابه، وزوّدنا بتفاصيل هامة عن الحالة التي وصل إليها المزار في القرن العاشر الهجري، حيث وصفه بما يلي:
«ولقد شاهدتُ في القرية الظالم أهلها، النائي عن الحقّ محلّها، المغضوب عليها، المنصوب علم الكفر لديها، أعني بلدة دمشق الشام محل الفجرة الطغاة، شرقي مسجدها الأعظم، وبيت أصنامها الأقدم، الذي لا طهر ولا قدس، بل على شفا جرفٍ هارٍ اُسِّس، معدن العقوق، ومركز الفسوق، وبيت النّار، ومجمع الفجّار، ومنبع الأشرار، وشرّ من مسجد ضرار، خربة كانت فيما تقدّم مسجداً، مكتوب على صخرة عتبة بابها أسماء النبيّ وآله والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وبعدهم: هذا قبر السيدة ملكة بنت الحسين بن أمير المؤمنين، ولفرط بغضهم لأهل بيت نبيّهم تركوا القيام بعمارة ذلك المقام إلى أن استهدم، ثمّ جعلوه مطرحاً لقماماتهم، ومرمى لنجاساتهم وقاذوراتهم، فهزت أريحية الإيمان رجلاً ممّن تمسك بولائهم أن يميط الأذى والقاذورات عن تلك الخربة، لأنّها وإن لم تكن مدفناً لأحد من ذرّيّتهم فقد شرفت بنسبتها إليهم، فجدّد بناءه واتّخذه مسجداً مهيّئاً للصلاة، فلمّا أتمه وأماط الأرجاس عنه وألقى القمامة علم بذلك شيخ إسلامهم وبلغام زمانهم وأحد أعلامهم وأكثر أصنامهم، عدوّ الله ورسوله، الكافر بفعله وقوله، المانع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، التامّ في النفاق حدّه ورسمه، فأقبل الشقيّ في جمع من المنافقين، والعصب المارقين، وأمر بهدم ذلك المسجد، وأن يعاد مطرحاً للقمامات والقاذورات كما كان أولاً، وأحضر معه رجلاً نصرانياً ممّن يعالج قطع الأحجار، وأمره أن يمحو أسماء النبيّ والأئمّة الطاهرين عن تلك الصخرة قائلاً: ترك هذه الأسماء على هذه الصخرة من أعظم بدعة في الإسلام ...». 4 الموسوي الكركي، محمد بن أبي طالب، تسلية المُجالس وزينة المَجالس، تحقيق: فارس حسّون كريم، قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418هـ، ج 2، ص 93-94.
هذا وقد ظنّ واهماً بعض المعاصرين لنا في كتيّب له عن السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام)، أن المزار الذي وصفه الموسوي الكركي هو نفسه مشهد السيدة رقية. 5 طبسي، نجم الدين، رقية بنت الحسين (عليهما السلام)، قم: دليل ما، 1393ش، ص 36. ولا يخفى على الباحث المطلع على تاريخ دمشق ومعالمها خطأ هذا الظن، حيث إن مزار الست ملكة كان يقع داخل "باب جيرون"، وهي البوابة الشرقية لمعبد جوبيتير بدمشق، ولا تزال أطلالها ماثلة للعيان إلى جهة الشرق مباشرة من البوابة الشرقية للجامع الأموي الكبير. أما مشهد السيدة رقية فيقع داخل "باب الفراديس"، إحدى الأبواب القديمة لأسوار دمشق، ولا يزال هذا الباب أيضاً قائماً في السور الشمالي للمدينة، ويقع إلى الجهة الشمالية الشرقية من الجامع الأموي.

۱. أبو شامة المقدسي، الباعث على إنكار البدع والحوادث، مكة: مطبعة النهضة الحديثة، ط ۲، ۱۴۰۱هـ / ۱۹۸۱م، ص ۲۴-۲۵.
۲. ابن طولون الصالحي، قرة العيون في أخبار باب جيرون، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دمشق، المجمع العلمي العربي، ۱۳۸۳هـ / ۱۹۶۴م، ص ۱۷-۱۸.
۳. المصدر نفسه، ص ۱۹-۲۲.
۴. الموسوي الكركي، محمد بن أبي طالب، تسلية المُجالس وزينة المَجالس، تحقيق: فارس حسّون كريم، قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، ۱۴۱۸هـ، ج ۲، ص ۹۳-۹۴.
۵. طبسي، نجم الدين، رقية بنت الحسين (عليهما السلام)، قم: دليل ما، ۱۳۹۳ش، ص ۳۶.
فصلية "کتاب‌گزار"، العدد 2-3
جمعه ۱۵ ارديبهشت ۱۳۹۶ ساعت ۷:۲۱
نظرات



نمایش ایمیل به مخاطبین





نمایش نظر در سایت