لقد وردت في عدد من مصادر القرنين السادس والسابع الهجريَّيْن، تفاصيل عن حالات شفاء المرضى بإعجازٍ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذلك بعد رؤية المريض للإمام (عليه السلام) في منامه. وقد جمعتُ في هذا المقال ما تيسّر لي استقصاؤها من هذه الحالات، والتي حدثت كلها ـ بناءً على المصادر التاريخية ـ في القرن السادس الهجري. ويُلاحَظ أن جميع هذه الحالات مرتبطة بشكل أو بآخر بالمشاهد والمزارات الدينية الموجودة في ذلك العصر.
فمن هذه الحالات، شفاء رجلٍ من أهل حلب، كان مصاباً بمرض الحمّى، في سنة 522هـ / 1128م، وقد بُني في المكان الذي رأى المريض في منامه أن الإمام علي (عليه السلام) يشفيه، أي عند باب الجنان ـ من أبواب حلب القديمة ـ، مشهد للإمام (عليه السلام). وقد ذكر ابن شَدّاد (ت 684هـ) في تاريخه "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" (ج 1، ق 1، ص 47-48)، تفاصيل حادث الشفاء وظهور المشهد، نقلاً عن المؤرخ ابن أبي طيّ (ت 630هـ)، وهي أن موقع المشهد «كان مكان يُباع فيه الخمر واتفق أن بعض أهل حلب رأى في النوم وكان مريضاً بحمّى من مدة طويلة كأنه في ذلك المكان وكأن رجلاً يقول له: "أي شيء تشكو؟" فقال: الحمّى. فمدّ يده إلى تراب من ذلك المكان وقال: "خذه وعلّقه عليك فإنك تبرأ، وقل للناس يعمّرون هاهنا مشهداً". فقال: يا مولاي لا يقبلون مني. فقال: "يحفرون هاهنا فإنهم يجدون صخرةً جميع ما حولها من التراب يكون فيه رائحة المسك". فقال له: ومن أنت؟ قال: "أنا علي بن أبي طالب". فاستيقظ الرجل وقد زالت الحمّى عنه. فحدّث لأهله بذلك وأصبح وخرج إلى ذلك المكان ووقف يحدّث الناس وكان حلب رجل يقال له شُقَيْر السوادي يحمل السواد إلى البساتين وكان فيمن حضر فنبشوا المكان فكان التراب يخرج كأنه المسك فتطيّبت به الناس وتاب شُقَيْر من أمور كان يعتمدها من الفساد وتولّى عمارة المكان.»
ومن هذه الحالات أيضاً ما قيل في سبب بناء «مسجد غوث» بحلب. فقد ذكر ابن شدّاد في "الأعلاق الخطيرة" (ج 1، ق 1، ص 42) أن الأتابك عماد الدين زنكي بعد أن أخذ الحديثة في سنة 536هـ، وكان في طريق عودته إلى الشام، مرّ بصفّين، فأصابته حمّى حادّة منعته القرار، ثم زالت عنه في آخر الليل، فنام فرأى في النوم كأن علياً (عليه السلام) يصف له دواء للحمّى، ودلّه على حجر هناك. فلما أصبح سأل عن الحجر، فدُلّ عليه وسأل عن قصته. فذكروا أن علياً (عليه السلام) لما نزل مدينة الرقة، شكا إليه أهلها ما يلقون من السباع وكثرتها، فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئاً ووضعه خارج الرقة. فأمر الأتابك بحمل الحجر إلى مدينة حلب على ناقة، فلما وصلوا إلى حلب قرّروا نقله إلى القلعة، فأدخلوا الناقة من باب العراق، وأخذوا بها في الطريق المعروف بالمرمى، فبركت قريباً من رأسه، فأثاروها وضربوها، فامتنعت عن القيام، فطرحوا عنها الحجر فأمر الأتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه.
أما علي بن أبي بكر الهروي (ت 611هـ)، فقد روى لنا تفاصيل شفاءِ شيخٍ كان قد ابتُلي بالجذام، وذلك في جزيرة "تونَة" في بحيرة المنزلة قرب تنّيس ودمياط، فبُني في موضع الشفاء مشهد للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام). ويقول الهروي في كتابه "الإشارات إلى معرفة الزيارات" (ص 47) حول ذلك: «وسألتُ أهل هذه الجزيرة عن المشاهد هل عُمِّرَتْ على اسم النبي (ص) وعلى اسم علي بن أبي طالب (رض) فقالوا: لها حكاية. ثم استَدْعَوْا شيخاً حَسَنَ الوجه فقالوا: هذا ابتُلي بالجذام ورماه أهله في ناحية الجزيرة خوفاً من مرضه وتلف بدنه وهلك، فلما كان في بعض الليالي صرخ صراخاً عظيماً، فأتاه الناس وهو قائمٌ ليس به ألم. فسُئل عن حاله فقال: رأيت رسول الله (ص) في هذا الموضع فقال: "اعملوا هاهنا مسجداً". فقلتُ: يا رسول الله، أنا مبتلي وما يصدّقوني. فالتفت إلى شخصٍ إلى جانبه وقال: "يا علي خُذْ بيده". فمدّ يده إليّ، فقمتُ كما تَرَوْني.»
وذكر الهروي حالة شفاءٍ أخرى حدثت عند مقام عمر بن الإمام الحسين (عليه السلام) في مدينة بلط أو بلد ـ من أعمال الموصل ـ 1، فقد قال في كتاب الإشارات (ص 68): «رأیتُ لهذا الموضع آية عظيمة، وذلك أنه كان بالموصل رجل فقّاعي زَمِن يمشي علی أعلاق من الخشب، ويجرّ رجلَيه خلفه كأنهما خرق، وبقي كذلك سنين عدّة وزماناً طويلاً يشاهده الناس، وهو معروف بالموصل. فرأى علي بن أبي طالب (رض) في منامه وذكر أنه قال له: "امضِ إلى مشهد ولدي عمر بن الحسين لأظهر فیك آية". فحملوه إلى هذا الموضع فاغتسل من الماء الذي به، وزاره وعاد إلى الموصل ماشیاً على قدمَيه وسمّوه "عبد علي"، ولعلّه في الحياة، والله أعلم. ورأيتُ لهذا الموضع من الآيات غیر هذا، بل اختصرتُ علی ذكر هذه الفضيلة.»
ونظن أن هذه الحالة، هي نفسها الحالة التي أشار إليها الأمير المؤرخ أسامة بن منقذ (ت 584هـ)، ولكن باختلاف في بعض التفاصيل، ودون أن يشير إلى علاقة الحادث بمشهد عُمر بن الإمام الحسين (عليه السلام). فقد ذكر ابن منقذ تفاصيل الحادث في كتابه "الاعتبار" (تحقيق: فيليب حتي، ط مكتبة الثقافة الدينية، ص 177-178) كما يلي: «حدّثني القائد الحاج أبو علي في شهر رمضان في سنة ثمان وستّين وخمس مائة بحصن كيفا قال: كنت بالموصل جالساً في دكّان محمد بن علي بن محمد بن مامة. فاجتاز بنا رجل فُقّاعي ضخم عليظ الساقين فدعاه أحمد وقال: يا عبد عليّ! بالله حدّث فلاناً حديثك. قال: أنا رجل أبيع الفقّاع كما ترى. فبتُّ ليلة أربعاء وأنا صحيح. فانتبهت وقد انحلّ وسطي فلا أقدر على الحركة ويبست رجلاي ودقّتا حتى بقيت الجلد والعظم. فكنت أزحف إلى وراء لأن رجلي ما كانت تتبعني ولا كان فيها حركة بالجملة. فقعدت في طريق زين الدين علي كوجك رحمه الله. فأمر بحملي إلى داره فحُملتُ. وأحضر الأطبّاء وقال: أريد أن تداووا هذا. فقالوا: نعم نداويه إن شاء الله. ثم أخذوا مسماراً فأحموه، ثم كوَوا به رجلي فما حسست به. فقالوا لزين الدين: ما نقدر على دواء هذا ولا فيه حيلة. فوهب لي دينارين وحماراً. فبقي الحمار عندي نحواً من شهر ومات. فعدت قعدت في طريقه. فوهب لي حماراً آخر فمات. ووهب لي حماراً ثالثاً فمات. فعدت إلى سؤاله. فقال لواحد من أصحابه: اخرج بهذا فارمه في الخندق. فقلت له: بالله ارمني على وركي فإني ما أحسّ فيها بما يكون. فقال: ما أرميك إلا على رأسك. فإذا رسول زين الدين رحمه الله قد جاءني فردّني إليه، وكان الذي قاله من رميي مزاحاً. فلما أحضروني بين يديه أعطاني أربعة دنانير وحماراً. فبقيت على ما أنا عليه إلى ليلة رأيت فيها فيما يرى النائم كأنّ رجلاً وقف عليّ وقال: قم. قلت: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقمت ووقفت. فأنبهتُ امرأتي وقلت: ويحكِ! قد أبصرت كذا وكذا! فقالت: ها أنت قائم. فمشيت على رجلي وزال ما كان بي ورجعت كما تراني. فمضيت إلى عند زين الدين الأمير علي كوجك رحمه الله فقصصتُ عليه منامي، ورآني وقد زال ما رآه بي فأعطاني عشرة دنانير.»
وأخيراً، فقد روى لنا أسامة بن مُنقِذ في كتاب "الاعتبار" (ص 173-174) تفاصيل شفاء خادم المسجد المعروف بمسجد أمير المؤمنين علي (ع) في صندوديا بظاهر مدينة الأنبار على نهر الفرات، وتفاصيل الحادث هي أنه: «حدّثني الأجل شهاب الدين أبو الفتح المظفر بن أسعد بن مسعود بن بَخْتكين بن سَبُكْتَكين مولى معزّ الدولة ابن بويه بالموصل في ثامن عشر شهر رمضان سنة خمس وستّين وخمس مائة قال: زار المقتفي بأمر الله أمير المؤمنين رحمه الله مسجد صَنْدوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي، ومعه الوزير وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يُعرف بمسجد أمير المؤمنين عليّ، رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطيّ، وهو متقلّد سيفاً حليتُه حديد، لا يَدري أنه أمير المؤمنين إلا من يعرفه. فجعل قيّم المسجد يدعو للوزير. فقال الوزير: ويحك أدعُ لأمير المؤمنين. فقال له المقتفي، رحمه الله: سله عمّا ينفع، قل له ما كان من المرض الذي كان في وجهه؟ فإني رأيته في أيام مولانا المستظهر، رحمه الله، وبه مرض في وجهه، وكان في وجهه سلعة قد غطّت أكثر وجهه، فإذا أراد الأكل سدّها بمنديل حتى يصل الطعام إلى فمه. فقال القيّم: كنتُ كما تعلم، وأنا أتردد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيني إنسان فقال: لو كنت تتردّد إلى فلان يعني مقدّم الأنبار، كما تتردّد إلى هذا المسجد لأستدعي لك طبيباً يزيل هذا المرض من وجهك، فخامر قلبي من قوله شيء ضاق له صدري، فنمت تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول: ما هذه الحضرة؟ يعني حضرة في الأرض. فشكوت إليه ما بي، فأعرض عني، ثم راجعته وشكوت إليه ما قاله لي ذلك الرجل فقال: أنت ممن يريد العاجلة. ثم استيقظتُ والسلعة مطروحة إلى جانبي وقد زال ما كان بي. فقال المقتفي رحمه الله: صدق. ثم قال لي: تحدّث معه وأبصر ما يلتمسه واكتب به توقيعاً وأحضره لأعلّم عليه. ...»
تكملة:
حكاية شفاء آخر ذكرها السيّد الشريف عبد الكريم ابن طاووس (ت 693هـ) في كتابه "فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (ع)" (تحقيق: محمد مهدي نجف، ص311-312)، رواها عن عمّه السيّد رضيّ الدين علي بن طاووس، عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي، ورواها أيضاً عن والده عن الشيخ حسين بن عبد الكريم، أنه قال: «كان قد وفد إلى المشهد الشريف الغروي ـ على ساكنه السلام ـ رجل أعمى من أهل تكريت، وكان قد عمي على كبر، وكانت عيناه ناتئتين على خدّه، وكان كثيراً ما يقعد عند المسألة، ويخاطب الجناب [الأشرف المقدّس] بخطاب خشن، وكنت تارةً أهم بالإنكار عليه، وتارةً يراجعني الفكر في الصفح عنه، فمضى على ذلك مدّةً، فأنا في بعض الأيام وقد فتحت الخزانة إذ سمعتُ صيحة عظيمة، فظننتُ أنه قد جاء للعلويّين برّ من بغداد، أو قد قُتل في المشهد قتيل، فخرجتُ ألتمس الخبر، فقيل لي: هاهنا أعمى قد رُدّ بصره، فرجوتُ أن يكون ذلك الأعمى، فلما وصلتُ إلى الحضرة الشريفة وجدته ذلك الأعمى بعينه، وعيناه كأحسن ما يكون، فشكرتُ الله تعالى على ذلك.»
فمن هذه الحالات، شفاء رجلٍ من أهل حلب، كان مصاباً بمرض الحمّى، في سنة 522هـ / 1128م، وقد بُني في المكان الذي رأى المريض في منامه أن الإمام علي (عليه السلام) يشفيه، أي عند باب الجنان ـ من أبواب حلب القديمة ـ، مشهد للإمام (عليه السلام). وقد ذكر ابن شَدّاد (ت 684هـ) في تاريخه "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" (ج 1، ق 1، ص 47-48)، تفاصيل حادث الشفاء وظهور المشهد، نقلاً عن المؤرخ ابن أبي طيّ (ت 630هـ)، وهي أن موقع المشهد «كان مكان يُباع فيه الخمر واتفق أن بعض أهل حلب رأى في النوم وكان مريضاً بحمّى من مدة طويلة كأنه في ذلك المكان وكأن رجلاً يقول له: "أي شيء تشكو؟" فقال: الحمّى. فمدّ يده إلى تراب من ذلك المكان وقال: "خذه وعلّقه عليك فإنك تبرأ، وقل للناس يعمّرون هاهنا مشهداً". فقال: يا مولاي لا يقبلون مني. فقال: "يحفرون هاهنا فإنهم يجدون صخرةً جميع ما حولها من التراب يكون فيه رائحة المسك". فقال له: ومن أنت؟ قال: "أنا علي بن أبي طالب". فاستيقظ الرجل وقد زالت الحمّى عنه. فحدّث لأهله بذلك وأصبح وخرج إلى ذلك المكان ووقف يحدّث الناس وكان حلب رجل يقال له شُقَيْر السوادي يحمل السواد إلى البساتين وكان فيمن حضر فنبشوا المكان فكان التراب يخرج كأنه المسك فتطيّبت به الناس وتاب شُقَيْر من أمور كان يعتمدها من الفساد وتولّى عمارة المكان.»
ومن هذه الحالات أيضاً ما قيل في سبب بناء «مسجد غوث» بحلب. فقد ذكر ابن شدّاد في "الأعلاق الخطيرة" (ج 1، ق 1، ص 42) أن الأتابك عماد الدين زنكي بعد أن أخذ الحديثة في سنة 536هـ، وكان في طريق عودته إلى الشام، مرّ بصفّين، فأصابته حمّى حادّة منعته القرار، ثم زالت عنه في آخر الليل، فنام فرأى في النوم كأن علياً (عليه السلام) يصف له دواء للحمّى، ودلّه على حجر هناك. فلما أصبح سأل عن الحجر، فدُلّ عليه وسأل عن قصته. فذكروا أن علياً (عليه السلام) لما نزل مدينة الرقة، شكا إليه أهلها ما يلقون من السباع وكثرتها، فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئاً ووضعه خارج الرقة. فأمر الأتابك بحمل الحجر إلى مدينة حلب على ناقة، فلما وصلوا إلى حلب قرّروا نقله إلى القلعة، فأدخلوا الناقة من باب العراق، وأخذوا بها في الطريق المعروف بالمرمى، فبركت قريباً من رأسه، فأثاروها وضربوها، فامتنعت عن القيام، فطرحوا عنها الحجر فأمر الأتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه.
أما علي بن أبي بكر الهروي (ت 611هـ)، فقد روى لنا تفاصيل شفاءِ شيخٍ كان قد ابتُلي بالجذام، وذلك في جزيرة "تونَة" في بحيرة المنزلة قرب تنّيس ودمياط، فبُني في موضع الشفاء مشهد للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام). ويقول الهروي في كتابه "الإشارات إلى معرفة الزيارات" (ص 47) حول ذلك: «وسألتُ أهل هذه الجزيرة عن المشاهد هل عُمِّرَتْ على اسم النبي (ص) وعلى اسم علي بن أبي طالب (رض) فقالوا: لها حكاية. ثم استَدْعَوْا شيخاً حَسَنَ الوجه فقالوا: هذا ابتُلي بالجذام ورماه أهله في ناحية الجزيرة خوفاً من مرضه وتلف بدنه وهلك، فلما كان في بعض الليالي صرخ صراخاً عظيماً، فأتاه الناس وهو قائمٌ ليس به ألم. فسُئل عن حاله فقال: رأيت رسول الله (ص) في هذا الموضع فقال: "اعملوا هاهنا مسجداً". فقلتُ: يا رسول الله، أنا مبتلي وما يصدّقوني. فالتفت إلى شخصٍ إلى جانبه وقال: "يا علي خُذْ بيده". فمدّ يده إليّ، فقمتُ كما تَرَوْني.»
وذكر الهروي حالة شفاءٍ أخرى حدثت عند مقام عمر بن الإمام الحسين (عليه السلام) في مدينة بلط أو بلد ـ من أعمال الموصل ـ 1
يقول الهروي حول هذا المقام في كتاب الإشارات: «مدينة بلط ويقال بلد: ... بها مقام عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وقرأتُ على الحجر الذي ظهر في هذا الموضع ما هذه صورته: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا مقام عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو أسير في سنة إحدی وستّين، تطوّع بعمارته إبراهيم بن القاسم المدائني في صفر سنة ثلاث ومائة وحبس عليه خان القطن من السوق العتيق ببلط".»
ونظن أن هذه الحالة، هي نفسها الحالة التي أشار إليها الأمير المؤرخ أسامة بن منقذ (ت 584هـ)، ولكن باختلاف في بعض التفاصيل، ودون أن يشير إلى علاقة الحادث بمشهد عُمر بن الإمام الحسين (عليه السلام). فقد ذكر ابن منقذ تفاصيل الحادث في كتابه "الاعتبار" (تحقيق: فيليب حتي، ط مكتبة الثقافة الدينية، ص 177-178) كما يلي: «حدّثني القائد الحاج أبو علي في شهر رمضان في سنة ثمان وستّين وخمس مائة بحصن كيفا قال: كنت بالموصل جالساً في دكّان محمد بن علي بن محمد بن مامة. فاجتاز بنا رجل فُقّاعي ضخم عليظ الساقين فدعاه أحمد وقال: يا عبد عليّ! بالله حدّث فلاناً حديثك. قال: أنا رجل أبيع الفقّاع كما ترى. فبتُّ ليلة أربعاء وأنا صحيح. فانتبهت وقد انحلّ وسطي فلا أقدر على الحركة ويبست رجلاي ودقّتا حتى بقيت الجلد والعظم. فكنت أزحف إلى وراء لأن رجلي ما كانت تتبعني ولا كان فيها حركة بالجملة. فقعدت في طريق زين الدين علي كوجك رحمه الله. فأمر بحملي إلى داره فحُملتُ. وأحضر الأطبّاء وقال: أريد أن تداووا هذا. فقالوا: نعم نداويه إن شاء الله. ثم أخذوا مسماراً فأحموه، ثم كوَوا به رجلي فما حسست به. فقالوا لزين الدين: ما نقدر على دواء هذا ولا فيه حيلة. فوهب لي دينارين وحماراً. فبقي الحمار عندي نحواً من شهر ومات. فعدت قعدت في طريقه. فوهب لي حماراً آخر فمات. ووهب لي حماراً ثالثاً فمات. فعدت إلى سؤاله. فقال لواحد من أصحابه: اخرج بهذا فارمه في الخندق. فقلت له: بالله ارمني على وركي فإني ما أحسّ فيها بما يكون. فقال: ما أرميك إلا على رأسك. فإذا رسول زين الدين رحمه الله قد جاءني فردّني إليه، وكان الذي قاله من رميي مزاحاً. فلما أحضروني بين يديه أعطاني أربعة دنانير وحماراً. فبقيت على ما أنا عليه إلى ليلة رأيت فيها فيما يرى النائم كأنّ رجلاً وقف عليّ وقال: قم. قلت: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقمت ووقفت. فأنبهتُ امرأتي وقلت: ويحكِ! قد أبصرت كذا وكذا! فقالت: ها أنت قائم. فمشيت على رجلي وزال ما كان بي ورجعت كما تراني. فمضيت إلى عند زين الدين الأمير علي كوجك رحمه الله فقصصتُ عليه منامي، ورآني وقد زال ما رآه بي فأعطاني عشرة دنانير.»
وأخيراً، فقد روى لنا أسامة بن مُنقِذ في كتاب "الاعتبار" (ص 173-174) تفاصيل شفاء خادم المسجد المعروف بمسجد أمير المؤمنين علي (ع) في صندوديا بظاهر مدينة الأنبار على نهر الفرات، وتفاصيل الحادث هي أنه: «حدّثني الأجل شهاب الدين أبو الفتح المظفر بن أسعد بن مسعود بن بَخْتكين بن سَبُكْتَكين مولى معزّ الدولة ابن بويه بالموصل في ثامن عشر شهر رمضان سنة خمس وستّين وخمس مائة قال: زار المقتفي بأمر الله أمير المؤمنين رحمه الله مسجد صَنْدوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي، ومعه الوزير وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يُعرف بمسجد أمير المؤمنين عليّ، رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطيّ، وهو متقلّد سيفاً حليتُه حديد، لا يَدري أنه أمير المؤمنين إلا من يعرفه. فجعل قيّم المسجد يدعو للوزير. فقال الوزير: ويحك أدعُ لأمير المؤمنين. فقال له المقتفي، رحمه الله: سله عمّا ينفع، قل له ما كان من المرض الذي كان في وجهه؟ فإني رأيته في أيام مولانا المستظهر، رحمه الله، وبه مرض في وجهه، وكان في وجهه سلعة قد غطّت أكثر وجهه، فإذا أراد الأكل سدّها بمنديل حتى يصل الطعام إلى فمه. فقال القيّم: كنتُ كما تعلم، وأنا أتردد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيني إنسان فقال: لو كنت تتردّد إلى فلان يعني مقدّم الأنبار، كما تتردّد إلى هذا المسجد لأستدعي لك طبيباً يزيل هذا المرض من وجهك، فخامر قلبي من قوله شيء ضاق له صدري، فنمت تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول: ما هذه الحضرة؟ يعني حضرة في الأرض. فشكوت إليه ما بي، فأعرض عني، ثم راجعته وشكوت إليه ما قاله لي ذلك الرجل فقال: أنت ممن يريد العاجلة. ثم استيقظتُ والسلعة مطروحة إلى جانبي وقد زال ما كان بي. فقال المقتفي رحمه الله: صدق. ثم قال لي: تحدّث معه وأبصر ما يلتمسه واكتب به توقيعاً وأحضره لأعلّم عليه. ...»
تكملة:
حكاية شفاء آخر ذكرها السيّد الشريف عبد الكريم ابن طاووس (ت 693هـ) في كتابه "فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (ع)" (تحقيق: محمد مهدي نجف، ص311-312)، رواها عن عمّه السيّد رضيّ الدين علي بن طاووس، عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي، ورواها أيضاً عن والده عن الشيخ حسين بن عبد الكريم، أنه قال: «كان قد وفد إلى المشهد الشريف الغروي ـ على ساكنه السلام ـ رجل أعمى من أهل تكريت، وكان قد عمي على كبر، وكانت عيناه ناتئتين على خدّه، وكان كثيراً ما يقعد عند المسألة، ويخاطب الجناب [الأشرف المقدّس] بخطاب خشن، وكنت تارةً أهم بالإنكار عليه، وتارةً يراجعني الفكر في الصفح عنه، فمضى على ذلك مدّةً، فأنا في بعض الأيام وقد فتحت الخزانة إذ سمعتُ صيحة عظيمة، فظننتُ أنه قد جاء للعلويّين برّ من بغداد، أو قد قُتل في المشهد قتيل، فخرجتُ ألتمس الخبر، فقيل لي: هاهنا أعمى قد رُدّ بصره، فرجوتُ أن يكون ذلك الأعمى، فلما وصلتُ إلى الحضرة الشريفة وجدته ذلك الأعمى بعينه، وعيناه كأحسن ما يكون، فشكرتُ الله تعالى على ذلك.»
- يقول الهروي حول هذا المقام في كتاب الإشارات: «مدينة بلط ويقال بلد: ... بها مقام عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وقرأتُ على الحجر الذي ظهر في هذا الموضع ما هذه صورته: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا مقام عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو أسير في سنة إحدی وستّين، تطوّع بعمارته إبراهيم بن القاسم المدائني في صفر سنة ثلاث ومائة وحبس عليه خان القطن من السوق العتيق ببلط".»
يكشنبه ۱۲ مهر ۱۳۹۴ ساعت ۱۲:۲۹