احتوت مدينة حلب في العصور المتأخرة على آثار منسوبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، منها عدد من شعرات نبوية، وبعض الآثار المطبوعة على الحجر. وفيما يلي نقدّم دراسة تاريخية حول هذه الآثار وقصة وصولها إلى مواضعها التي كانت تزار، قبل أن تتعرض للتلف خلال الأزمة الأخيرة.
وشعرتان من الشعرات النبوية الموجودة في هذا الموضع نُقلتا إلى هنا من موضعين آخرين بحلب، هما: مدرسة أو جامع الحلوية، وجامع الحاج موسى. أما الشعرة الثالثة فكانت موجودة في الجامع الكبير منذ فترة سابقة. وقد أفادنا الشيخ محمد أبو الوفاء الرفاعي خلال أبيات شعرية في منظومته حول أولياء حلب (تحقيق: فردينان توتل اليسوعي، مجلة "المشرق"، السنة الثامنة والثلاثون (1940م)، تشرين الأول وكانون الأول، صص 406-408) بمعلومات حول هذه الشعرة النبوية وتفاصيل عن آداب ومواقيت زيارتها:
الآثار النبوية في الجامع الكبير بحلب
الآثار النبوية التي كانت موجودة في الجامع الكبير بحلب، هي عبارة عن ثلاث شعرات وجزء من ضرس منسوب إلی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان يُحتفظ بهذه الآثار في قارورات زجاجية صغيرة مختومة في صندوق داخل الحجرة التي تضمّ المقام المنسوب إلى النبي زكريا (عليه السلام) في الحائط الجنوبي لمصلى الجامع شرقي المحراب. وهي غرفة مربعة كسيت جدرانها الداخلية وطرفاها من الخارج أيضاً بألواح القاشاني التي ترجع إلى العهد العثماني. ويفصل الحجرة عن المصلى مشبّك جميل من النحاس الأصفر. ومدخل الحجرة يتألف من عقد واسع يتناوب فيه اللونان الأسود والأصفر، ويرتكز على عمودين من الحجر الأصفر المصقول.وشعرتان من الشعرات النبوية الموجودة في هذا الموضع نُقلتا إلى هنا من موضعين آخرين بحلب، هما: مدرسة أو جامع الحلوية، وجامع الحاج موسى. أما الشعرة الثالثة فكانت موجودة في الجامع الكبير منذ فترة سابقة. وقد أفادنا الشيخ محمد أبو الوفاء الرفاعي خلال أبيات شعرية في منظومته حول أولياء حلب (تحقيق: فردينان توتل اليسوعي، مجلة "المشرق"، السنة الثامنة والثلاثون (1940م)، تشرين الأول وكانون الأول، صص 406-408) بمعلومات حول هذه الشعرة النبوية وتفاصيل عن آداب ومواقيت زيارتها:
وشعرةٍ من شَعَر النبيِّ
جليلةٍ بقدرها السنيِّ
قد وُضِعَتْ لدى أبي الحصور
شيخ النبيين عظيم النور
هو النبي زكريا السيدْ
في الأنبيا له مقامٌ أمجدْ
في المرقد الشريف نحو القبلةْ
من الأكاليل عليها ظلَّهْ
قماشُهُ المذَهَّب الإبريسَمْ
وكان قد طرزها المُعَلمْ
ولم تزل محجوبةً عن النظرْ
شوقاً وتعظيماً لسيد البشرْ
إلا بأوقات تكون في السنه
شريفةٍ عند الإله حسنه
أول جمعةٍ تكون في رجبْ
وبعد عشرين وسبعٍ تُحتَسَبْ
منهُ وفي نهارِ نصفِ شعبانْ
ويومَ عشرينَ وسبع رمضانْ
وليلةَ المولدِ في ربيعِ
فإنها تُبرَزُ للجميعِ
يرفعها على يديه الحافظْ
وأعين الناسِ لها تُلاحظْ
حجابها زجاجها الشفّافُ
والعطرُ والطيبُ لها تضافُ
ويقف الحافظ في باب المقامْ
يجهرُ بِدءاً بالصلاة والسلامْ
على رسول الله صاحب الأثرْ
ومن له معجزةُ شقُّ القمرْ
ويعلن الجميع بالصلاةِ
عليه جهرةً وتسليماتِ
فيهرعُ الزوار للتقبيلِ
واللمسِ بالتعظيمِ والتبجيلِ
ويكثرُ الجمعُ والازدحامُ
ما بين باكٍ دمعهُ انسجامُ
أو فرحٍ بأنه قد لمسا
آثارَ نوره ومنهُ اقتبسا
ثم إذا انتهوا من الزيارةْ
يرخي عليها الحافظُ الستارةْ
ومنذ يبديها إلى أن تختفي
نورُ الصلاة أبداً لا ينطفي
والحمد لله وليّ النعمةْ
أن خصَّني فضلاً بهذي الخدمةْ
ويظهر من هذه الأبيات أن مواقيت زيارة الشعرة النبوية في الجامع الكبير بحلب في تلك الفترة كانت أول جمعة من شهر رجب، ويوم السابع والعشرين من رجب، ويوم الخامس عشر من شعبان، ويوم السابع والعشرين من شهر رمضان، أي ليلة القدر، وليلة المولد النبوي الشريف في شهر ربيع الأول.
وفيما يتعلق بالمدرسة الحلوية، أو جامع الحلوية كما تُعرف اليوم، فتقع غربي الجامع الكبير، حيث يقابل مدخلها الباب الغربي للجامع الكبير. وهي في الأصل كاتدرائية حلب العظمى في العصر البيزنطي، والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي. وقد هدمها ملك الفرس كسرى سنة 540 م، فجدّدت في أيام حكم الإمبراطور جوستينيان. (انظروا: سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي، متري هاجي أثناسيو، ج 1، ص 595)
ولما حاصر الصليبيون مدينة حلب سنة 518هـ / 1124م وقاموا بأعمال قتل ونهب وفساد، عمّد قاضي حلب أبو الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب، وكان يقوم بأمر حلب بعد هروب ملكها ايليغازي بن أرتق، بتحويل أربع كنائس داخل المدينة إلى مساجد، منها الحلوية وقد عُرف حينه بمسجد السراجين. ثم بنى السلطان نور الدين محمود بن زنكي فيها إيواناً وغرفاً وحوّلها إلى مدرسة لتدريس الفقه الحنفي. وانتهت عمارتها سنة 544هـ / 1149م. (انظروا: نهر الذهب في تاريخ حلب، كامل الغزي، تحقيق: شوقي شعث ومحمود فاخوري، ج 2، ص 168)
أما الكنيسة في تخطيطها الهندسي فكانت مستديرة الشكل، حيث لا تزال ثمانية من أعمدتها (من الجهة الغربية) باقية داخل المسجد المربّع غربي الصحن. ويقع الموضع السابق للآثار النبوية بين العمودين اللذين يتوسطان الأعمدة الباقية للكنيسة. وهو حجرة صغيرة مربعة الشكل لها باب في الضلع الشرقي، فوقه الكتابة التالية: «الصلاة والسلام على صاحب هذا الأثر الشريف المبارك سنة 1344 هجرية».
وفوقها كتابة أخرى في سطرين تنص على ما يلي:
1- أتحف المدرسة الحلوية بالشعرة الطاهرة النبوية وأنشأ هذه
2- الحجرة لها متولي أوقافها عبد الوهاب ابن الشيخ مصطفى طلس عفي عنهما سنة 1344.
ولم أستطع الحصول على نصّ يوضّح كيفية أو تاريخ وصول هذه الشعرة إلى هذا الموضع، باستثناء الكتابة التي تشير إلى أنها اتحفت بها سنة 1344هـ / 1925م. وقد أكد لي بعض الأهالي خلال زيارتي الميدانية لهذا المكان، أن الشعرة الموجودة في هذا الموضع نُقلت إلى الجامع الكبير.
<center>
<img src="http://ahmad.kateban.com/images/aleppo.jpg" border="1" align="center" width="450">
الموضع المخصص سابقاً للشعرة النبوية في جامع ومدرسة الحلوية في حلب
الصورة بعدسة الباحث، بتاريخ 18-9-2004
</center>
أما جامع الحاج موسى، فيقع في الحي المعروف بسويقة علي، قرب الجامع الكبير من الجهة الشمالية الشرقية. وهو من جوامع العهد العثماني بحلب، حيث تم إنشاؤه سنة 1176هـ / 1762م، بناءً على اللوحة الحجرية فوق باب الجامع، ويوافق هذا التاريخ عهد السلطان العثماني مصطفى الثالث، وعُرف الجامع باسم بانيه الحاج موسى آغا الأميري (ت 1177هـ / 1763م). وللجامع مصلى أو حرم الصلاة في الجنوب، تعلوه قبة ويتقدمه رواق، وصحن واسع في الوسط، ومصلى أو رواق آخر في الشمال، كما له مئذنة مرتفعة مستديرة الشكل.
ويروي لنا محمد راغب الطباخ الحلبي (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، تصحيح: محمد كمال، ج 7، ص 33) قصة وصول الشعرة النبوية إلى هذا الجامع، فيذكر أن الناظر على الجامع "بها بك الأميري" بعد انتخابه عضواً في مجلس المبعوثين سافر إلى دار السلطنة العثمانية إستانبول، ثم عزم على العودة إلى حلب بعد انتهاء مدة المجلس في سنة 1328هـ / 1909م، فتم تعيين وقت له للمثول بين يدي السلطان محمد رشاد، فتوجه إلى السراي واستُقبل من قبل رجال البلاط ثم أدخل على السلطان، فأهدى له السلطان شعرة نبوية، ولما وصل هذا الخبر إلى أهالي الشام خرج وفد لاستقبال بها بك إلى بيروت، ووفد إلى حمص، ووفد إلى حماة، ويوم وصوله إلى حلب خرج آلاف من أهل حلب لاستقباله. ووُضعت الشعرة النبوية في صندوق خشبي في الجدار القبلي للجامع على يمين المنبر، وكانت تخرج للتقبيل أيام المواسم.
هذا وقد سُرقت الآثار النبوية الموجودة في الجامع الكبير بحلب في بداية عام 2012، خلال المعارك التي جرت بين قوات النظام السوري والمسلحين المعارضين.
<center>
<img src="http://ahmad.kateban.com/images/mosque.jpg" border="1" align="center" width="450">
آثار الدمار في الجامع الكبير بحلب
</center>
وفيما يتعلق بالمدرسة الحلوية، أو جامع الحلوية كما تُعرف اليوم، فتقع غربي الجامع الكبير، حيث يقابل مدخلها الباب الغربي للجامع الكبير. وهي في الأصل كاتدرائية حلب العظمى في العصر البيزنطي، والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي. وقد هدمها ملك الفرس كسرى سنة 540 م، فجدّدت في أيام حكم الإمبراطور جوستينيان. (انظروا: سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي، متري هاجي أثناسيو، ج 1، ص 595)
ولما حاصر الصليبيون مدينة حلب سنة 518هـ / 1124م وقاموا بأعمال قتل ونهب وفساد، عمّد قاضي حلب أبو الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب، وكان يقوم بأمر حلب بعد هروب ملكها ايليغازي بن أرتق، بتحويل أربع كنائس داخل المدينة إلى مساجد، منها الحلوية وقد عُرف حينه بمسجد السراجين. ثم بنى السلطان نور الدين محمود بن زنكي فيها إيواناً وغرفاً وحوّلها إلى مدرسة لتدريس الفقه الحنفي. وانتهت عمارتها سنة 544هـ / 1149م. (انظروا: نهر الذهب في تاريخ حلب، كامل الغزي، تحقيق: شوقي شعث ومحمود فاخوري، ج 2، ص 168)
أما الكنيسة في تخطيطها الهندسي فكانت مستديرة الشكل، حيث لا تزال ثمانية من أعمدتها (من الجهة الغربية) باقية داخل المسجد المربّع غربي الصحن. ويقع الموضع السابق للآثار النبوية بين العمودين اللذين يتوسطان الأعمدة الباقية للكنيسة. وهو حجرة صغيرة مربعة الشكل لها باب في الضلع الشرقي، فوقه الكتابة التالية: «الصلاة والسلام على صاحب هذا الأثر الشريف المبارك سنة 1344 هجرية».
وفوقها كتابة أخرى في سطرين تنص على ما يلي:
1- أتحف المدرسة الحلوية بالشعرة الطاهرة النبوية وأنشأ هذه
2- الحجرة لها متولي أوقافها عبد الوهاب ابن الشيخ مصطفى طلس عفي عنهما سنة 1344.
ولم أستطع الحصول على نصّ يوضّح كيفية أو تاريخ وصول هذه الشعرة إلى هذا الموضع، باستثناء الكتابة التي تشير إلى أنها اتحفت بها سنة 1344هـ / 1925م. وقد أكد لي بعض الأهالي خلال زيارتي الميدانية لهذا المكان، أن الشعرة الموجودة في هذا الموضع نُقلت إلى الجامع الكبير.
<center>
<img src="http://ahmad.kateban.com/images/aleppo.jpg" border="1" align="center" width="450">
الموضع المخصص سابقاً للشعرة النبوية في جامع ومدرسة الحلوية في حلب
الصورة بعدسة الباحث، بتاريخ 18-9-2004
</center>
أما جامع الحاج موسى، فيقع في الحي المعروف بسويقة علي، قرب الجامع الكبير من الجهة الشمالية الشرقية. وهو من جوامع العهد العثماني بحلب، حيث تم إنشاؤه سنة 1176هـ / 1762م، بناءً على اللوحة الحجرية فوق باب الجامع، ويوافق هذا التاريخ عهد السلطان العثماني مصطفى الثالث، وعُرف الجامع باسم بانيه الحاج موسى آغا الأميري (ت 1177هـ / 1763م). وللجامع مصلى أو حرم الصلاة في الجنوب، تعلوه قبة ويتقدمه رواق، وصحن واسع في الوسط، ومصلى أو رواق آخر في الشمال، كما له مئذنة مرتفعة مستديرة الشكل.
ويروي لنا محمد راغب الطباخ الحلبي (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، تصحيح: محمد كمال، ج 7، ص 33) قصة وصول الشعرة النبوية إلى هذا الجامع، فيذكر أن الناظر على الجامع "بها بك الأميري" بعد انتخابه عضواً في مجلس المبعوثين سافر إلى دار السلطنة العثمانية إستانبول، ثم عزم على العودة إلى حلب بعد انتهاء مدة المجلس في سنة 1328هـ / 1909م، فتم تعيين وقت له للمثول بين يدي السلطان محمد رشاد، فتوجه إلى السراي واستُقبل من قبل رجال البلاط ثم أدخل على السلطان، فأهدى له السلطان شعرة نبوية، ولما وصل هذا الخبر إلى أهالي الشام خرج وفد لاستقبال بها بك إلى بيروت، ووفد إلى حمص، ووفد إلى حماة، ويوم وصوله إلى حلب خرج آلاف من أهل حلب لاستقباله. ووُضعت الشعرة النبوية في صندوق خشبي في الجدار القبلي للجامع على يمين المنبر، وكانت تخرج للتقبيل أيام المواسم.
هذا وقد سُرقت الآثار النبوية الموجودة في الجامع الكبير بحلب في بداية عام 2012، خلال المعارك التي جرت بين قوات النظام السوري والمسلحين المعارضين.
<center>
<img src="http://ahmad.kateban.com/images/mosque.jpg" border="1" align="center" width="450">
آثار الدمار في الجامع الكبير بحلب
</center>
شعرات نبوية أخرى في حلب
ذكر الباحث "عبود العسكري" في كتابه (الطرق الصوفية: واقع وطموح، ص 131-132) أن هناك شعرات نبوية في مدينة حلب، توجد عند كل من: الشيخ عبد اللطيف بادنجكي والحاج محمد جمال بادنجكي والحاج سليم حج يوسف حموية، ولدى هؤلاء سند وحجة في تناقلها من جيل إلى جيل، وعند الشيخ عمر مكتبي، كما توجد عند الشيخ محمد بطيخ ومحمد جبارة من بيت الحربلي وهم ينتسبون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذه الآثار في كثير من الأحيان تمرّر، وهي مغلّفة بقماش، في مجالس الذكر الصوفية على الحضور واحداً واحداً ليتبركوا بها.شنبه ۱۱ بهمن ۱۳۹۳ ساعت ۱۱:۳۰