<p>من خلال المراجعة إلى النصوص التاريخية يتبين لنا أن هناك عدد كبير من المشاهد والمواضع التي كانت تُنسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبخاصة خلال القرنين الخامس والسادس. والكثير من هذه المشاهد كانت مبنية في الأماكن التي يُقال أن الإمام علي (عليه السلام) أقام بها أو مرّ بها أو حدثت فيها معجزة أو كرامة من كراماته، ومنها أيضاً ما كانت مبنية على الرؤيا في المنام.<br />وقد زوّدنا العالم الإمامي ابن شهرآشوب السَرْوي المازندراني (ت 588 ه)، بأسماء ومواضع عدد من مشاهد الإمام علي (عليه السلام)، والتي كانت موجودة في في شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، وإن كانت المعلومات التي قدّمها لنا ابن شهرآشوب لا تعدو كونها مجرد إشارات وعبارات مختصرة عن تلك المشاهد، إلا أنها من الأهمية بمكان، حيث أننا قد لا نجد إشارة إلى بعض هذه المشاهد في المصادر الأخرى.<br />ويذكر لنا ابن شهرآشوب المساجد والمشاهد المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ضمن فصل صغير من كتابه "مناقب آل أبي طالب"، سمّاه "فصل في المشاهد"، حيث يبدأ كلامه بما يلي: (مناقب آل أبي طالب، تحقيق: د. يوسف البقاعي، ج2، ص 226-227)<br />«فصل في المشاهد: ما وجدنا لعظماء الخلف والسلف في الأرض أثراً مذكوراً أو خبراً مشهوراً يتقرب الناس إليها كما لم نجد في الأمم الماضية نحو كسرى وأنوشروان وفرعون وهامان وشداد ونمرود، ووجدنا أهل البيت (عليهم السلام) امتلأت أقطار الأرض بآثارهم وبنوا المشاهد والمساجد بأسمائهم، وأنفق لسكان الأمصار من إجلال مشاهدهم بعد خمول شاهدهم وغر معاندهم وقصدهم في الآفاق البعيدة تقرباً إلى الله بجاه تربهم، وكلما تطاولت الدهور زاد محلها سمواً وذكرها نمواً ويرى الناس فيها العجائب عياناً ومناماً، كما نجد في آثار الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) مثل الحطيم ومقام إبراهيم وميزاب إسماعيل وربوة موسى وصخرة عيسى وباب حطة بني إسرائيل وعند موالدهم ومحاضرهم ومجالسهم فظهر الحق وزهق الباطل.<br />قال الزاهي:<br />هل لكم مشهد يزار كما * مشاهد التابعين متبعه<br />يسطع نور لها على بعد * يطرق من زارها إذا سطعه<br />الحصكفي:<br />قوم أتى في هل أتى مدحتهم * ما شك في ذلك إلا ملحد<br />قوم لهم في كل ارض مشهد * لا بل لهم في كل قلب مشهد<br />غيره:<br />عمروا بأطراف البلاد مقابراً * إذ خربوا من يثرب أوطاناً»</p><p>ثم يتابع ابن شهرآشوب قوله بتعداد المواضع والمشاهد المنسوبة إلى الإمام عليه السلام (المناقب، ج 2، ص 227-228). فنقلت كلامه فيما يلي حرفياً وقمت بتفكيك المواضع وترقيمها وحاولتُ أن أحدّد مكان بعض هذه المواضع.<br />ويبدو أن ابن شهرآشوب في ذكره لهذه المواضع يعتمد على ترتيب معين، حيث يذكر أولاً المواضع المرتبطة بالمحطات التاريخية الهامة في حياة الإمام علي (عليه السلام) (الأرقام 1-9 و33-35)، ثم يذكر المساجد والمشاهد التي لها علاقة بمعجزات وخوارق عادات الإمام (عليه السلام) (الأرقام 10-32)، ومنازله ومقاماته في طريقه إلى وقعة الجمل وفي منطقة البصرة (الأرقام 36-51)، ومنازله في طريقه إلى وقعة صفين (الأرقام 52-64)، وقد يكون هناك تكرار في تعداد بعض المواضع:<br />[1.] «هذا أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مشاهده اليوم مسجد ولد في الكعبة»<br />[2.] «وربي في دار خديجة وهي اليوم مسجد»<br />[3.] «ومصلاه عند باب مولد النبي (ص) في شعب بني هاشم»<br />[4.] «والموضع الذي بايع رسول الله بيعة العشيرة»<br />[5.] «وداره التي نزل فيها آية التطهير»<br />[6.] «وموضع بيعة الغدير»<br />[7.] «ومصلاه في الرقة». ويبدو أنه أحد المشهدين اللذين ذكرهما علي بن أبي بكر الهروي (ت 611 ه) بقوله: «مدينة الرقة بها مشهد علي بن أبي طالب (رض) وبها مشهد الجنائز وبه المردي(*) الذي جاءوا بالشهداء عليه في الفرات.» (الإشارات إلى معرفة الزيارات، تحقيق: جانين سورديل ـ طومين، ص 63) وفي مدينة الرقة توجد أطلال آبدة أثرية تُعرف اليوم بباب بغداد، يُحتمل جداً أن تكون مشهد أو مصلى الإمام علي (ع).<br />[8.] «وموضع سكونه في صفين». ويبدو أنه الموضع الذي ذكره ابن العديم الحلبي (ت 660 ه) عند كلامه عن موقع صفين، وذلك بقوله: «وفيها مشهد لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقيل بأنه موضع فُسطاطه.» (بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، ج1، ص 280)<br />[9.] «ومسجد الإحرام للميقات من بنائه»<br />[10.] «ومسجد براثا في بغداد من إظهاره». وهو من المساجد الشهيرة في بغداد، وقد بقيت أطلالها حتى القرن السابع، ثم زال نهائياً، واليوم يُطلق اسم مسجد براثا خطأً على "مشهد المنطقة"، وهو من المشاهد الأخرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) في بغداد.<br />[11.] «ومسجد الذئب عند الفرات من آياته»<br />[12.] «ومشهد الشمس في الحلة من معجزاته». ولا يزال هذا المشهد قائماً بجوار مدينة الحلة، ويُعتقد أنه بني في الموضع الذي رُدّ فيه الشمس للإمام علي (عليه السلام).<br />[13.] «ومسجد الجمجمة في بابل من دلائله». وموقعه قرب قرية الجمجمة ضمن أراضي مدينة "بابل" الأثرية شمالي الحلة. وكان قائماً حتى فترة متأخرة، وقد تم إمحاء ما بقي من أطلاله في عهد النظام البعثي السابق.<br />[14.] «ومشهد السمكة عند النيل من فضائله» <br />[15-17.] «ومشهد النار والفرج والمنطقة في المدائن من قدرته»<br />[18.] «ومسجد السوط في السوق العتيقة في بغداد من إخباره بالغيب». ويبدو أنه هو ما عُرف بمشهد المنطقة ولا يزال قائماً إلى اليوم في الجانب الغربي من بغداد، وقد أُطلق عليه اسم "مسجد براثا" خطأً.<br />[19-23.] «ومشهد الكف بالكوفة وفي تكريت وفي الموصل وفي رقة من إعجازه». وسنتكلم بالتفصيل حول ظاهرة مشاهد الكف في مقال آخر إن شاء الله تعالى.<br />[24.] «ومشهد الشعر في بلده من عجائبه»،<br />[25-27.] «ومسجد المجداف وعرقل والنور في رقة من براهينه»، وحول مسجد المجداف أو المجذاف، يقول ابن شهرآشوب نفسه في موضع آخر من كتاب المناقب (ج2، ص 334): «ومسجد المجذاف في الرقة وهو أنه لما طلب الزواريق لحمل الشهداء قالوا: الزواريق ترعى، فقال (عليه السلام): كلامكم غثّ وقمصانكم رثّ لا شد الله بكم صنعاً ولا أشبعكم إلا على قتب، وعمل جائزة عظيمة بمنزلة المجذاف وحمل الشهداء عليها فخربت الرقة وعمرت الرافقة ولا يزالون في ضنك العيش.»<br />[28.] «ومسجد في الموصل من حججه»،<br />[29.] «ومشهد العلث بين بغداد وسامراء من بركاته»، ويقول صفي الدين البغدادي عن دير العلث: «وهو دير على شاطىء دجلة من شرقيّها قرب الحظيرة.» (مراصد الاطلاع، ج2، ص 569)<br />[30.] «ومشهد البوق عند رحبة الشام من كراماته». وقد أشار علي بن أبي بكر الهروي إلى هذا المشهد حيث قال: «بظاهر الرحبة مشهد البوق وهو موضع كان علي بن أبي طالب نازلاً به لمّا توجه إلى قتال معاوية.» (الإشارات إلى معرفة الزيارات، ص 67)<br />وقال ابن شهرآشوب عن هذا المشهد في موضع آخر من كتاب المناقب (ج2، ص 334): «وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام أنه (عليه السلام) أخبر أن الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق وضرب البوق وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوماً وهو خرق العادة.» ثم ذكر شعر أبي العباس الضبّي (ت 398 ه) في ذلك:<br />وحيال رحبة مالك أصغى إلى * نعرات بوق في دمشق يقعقع<br />فاهتز من طرب وقال لصحبه * هذا ابن هند للرحيل لمزمع<br />كما ذكر هذه المعجزة قطب الدين الراوندي (ت 573 ه) دون تحديد مكان وقوعها، وذلك بقوله: «وإنه عليه السلام لما خرج إلى صفين، وكان بينه وبين دمشق مائة فرسخ وأكثر، وقد نزل ببرية، وكان يصلي فيها، فلما فرغ ورفع رأسه من سجدة الشكر قال: أسمع بوق التبزيز لمعاوية من دمشق. وكتبوا التاريخ فكان كما قال، وقد بني هناك مشهد يقال له: مشهد البوق.» (الخرائج والجرائح، ج2، ص 916)<br />أما موقع مشهد البوق فينطبق اليوم على الموقع المعروف بـ"عين علي"، على بعد 15 كم إلى الجنوب من مدينة الميادين (الرحبة قديماً) في محافظة دير الزور في سورية، حيث توجد عين ماء منسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأطلال مسجد أو مشهد لم تبق إلا مئذنته.<br />[31.] «ومشهد الصخرة في الشام من سلطانه». ويبدو أنه المشهد الذي ذكره علي بن أبي بكر الهروي باسم «مشهد النارنج» وقال عنه: «وبه حجر مشقوق وله حكاية مع علي بن أبي طالب» (الإشارات إلى معرفة الزيارات، ص 13)؛ ووصفه ابن جبير عند كلامه عن مشاهد أهل البيت والتي بناها الشيعة في دمشق، وذلك بقوله: «ومن أحفل هذه المشاهد مشهد منسوب لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقد بُني عليه مسجد حفيل رائق البناء، وبإزائه بستان كلّه نارنج، والماء يطّرد فيه من سقاية معينة. والمسجد كلّه مستور معلّقة في جوانبه صغار وكبار. وفي المحراب حجر عظيم قد شُقّ بنصفين والْتُحم بينهما ولم يَبنِ النصف عن النصف بالكلية، يزعم الشيعة أنه انشقّ لعلي، رضي الله عنه، إما بضربة سيفه أو بأمر من الأمور الإلهية على يديه. ولم يُذكَر عن علي، رضي الله عنه، أنه دخل قطّ هذا البلد، اللهم إلا إن زعموا أنه كان في النوم، فلعلّ جهة الرؤيا تصحّ لهم إذ لا تصحّ لهم جهة اليقظة، وهذا الحجر أوجب بنيان هذا المشهد.» (رحلة ابن جبير، ص 216-217) وهذا المشهد لم يعد اليوم قائماً.<br />[32.] «ومشهد كوثى عند بغداد»،<br />[33.] «وقبلة جامع البصرة»، واليوم لم يبق من جامع البصرة إلا بعض الأطلال، أما موضع صلاة الإمام علي (عليه السلام) في هذا الجامع فلا يزال باقياً ويُعرف اليوم بخطوة الإمام علي (عليه السلام).<br />[34.] «وقُتل في جامع الكوفة الذي بناه نوح وصلى فيه ألف نبي وألف وصي»،<br />[35.] «ودفن في الغريّ وهو اليوم مسجد»،<br />[36-51.] «ومنازله كلها لما توجه إلى البصرة: مساجد النخيلة وزواطه والشرط ومذار ومطارة وزكية وعند مشهد عزير وفوق البصرة على أربع فراسخ وعند قلعة البصرة وأبلّة وبلجان والمحرزي وعبادان ودقلة وقرية عبد الله وكرخ زاد»،<br />[52-64.] «ومن طريق العراق في المدائن وبغداد والأنبار وتحت الحديثة وعند الجب وصندوديا وعانة وبين الرحبة وعانة وفي الرحبة وزيلبيا ويلنج ورقة وصفين».</p><p>وأشار ابن شهرآشوب في فصل آخر من كتاب المناقب (ج2، ص 325) بعنوان "فصل في نواقض العادات منه"، إلى عدد من الآثار المنسوبة إلى الإمام علي (عليه السلام):<br />[65.] «وكان منه [أي من نواقض العادات منه] في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر وهو باق في الكوفة». وربما هذا الأثر هو ما ذكره ابن شهرآشوب باسم مشهد الكف في الكوفة.<br />[66.] «وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك». فقد أشار في فصل المشاهد إلى مشاهد الكف في تكريت والموصل والكوفة ورقة، وأضاف هنا مشهد الكف في قطيعة الدقيق، وهي محلة في بغداد.<br />[67.] «ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي»،<br />[68.] «وأثر رمحه في جبل من جبال البادية»،<br />[69.] «وفي صخرة عند قلعة خيبر»، <br />[70.] وأخيراً، أشار ابن شهرآشوب في موضع آخر (المناقب، ج2، ص 334) إلى «الدكة المشهورة في الكوفة التي يقال إنه رأى منها مكة وسلم عليها وذلك مثل قولكم يا سايرة الجبل». وربما كانت تقع هذه الدكة في مسجد الكوفة.<br /></p>
سه شنبه ۲۲ بهمن ۱۳۹۲ ساعت ۱۵:۳۳