يُعدّ كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" لعلي بن أبي بكر الهروي (ت ۶۱۱ هـ)، أقدم مصدر عربي يتناول بشكل خاص المشاهد والمزارات الدينية في العالم الإسلامي. وتتمثّل أهمية هذا الكتاب بأنه يُزوّدنا بصورة عامة تقريبية بأنواع المشاهد والمزارات التي كانت موجودة في النصف الثاني من القرن السادس الهجري في الكثير من البلدان الإسلامية، وبخاصة المناطق المركزية للعالم الإسلامي كالشام والعراق ومصر والحجاز؛ كما يُرفدنا هذا الكتاب بفوائد عديدة أخرى حول المزارات الدينية، كأسامي الأشخاص الذين كانت توجد لهم قبور أو تُنسب إليهم مشاهد ومزارات خلال تلك الفترة، وعوامل ظهور بعضها. وما يزيد من أهمية كتاب الإشارات هو أن الكثير من هذه المزارات لم تعد قائمة اليوم، أو ربما تحولت على مر الزمن إلى مزارات لأسماء أخرى.(*)
وبعد تصفّح الكتاب وقراءته بإمعان، تبين لنا أن الشخص الذي عدّ له الهروي أكبر عدد من المواضع المنسوبة إليه، هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث ذكر نحو ۴۳ موضع منسوب إليه، ما بين مسجد وقبر، ومشهد كف أو رؤيا، وغير ذلك من أنواع المزارات. أما في المرتبة الثانية فيأتي النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ويليه سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآلـه وسلم).
ولا شك أن هناك مشاهد أخرى للإمام علي (عليه السلام)، كانت قائمة في تلك الفترة ولم يذكرها الهروي، ربما جهلاً منه بوجودها، أو سهواً ونسياناً منه، فهناك مشاهد كثيرة أشار إليها العالم الإمامي ابن شهرآشوب، المعاصر للهروي، وقد سبق أن تكلمت عنها في مقالي السابق، وهناك أيضاً مشاهد ذكرتها المصادر التاريخية الأخرى، ولم يذكرها الهروي.
فمنها على سبيل المثال، أثر كف الإمام علي (عليه السلام) في "قبة اللحم" بدمشق، والذي أشار إليه المؤرخ ابن عساكر الدمشقي (تاريخ مدينة دمشق، ج ۲، ص ۳۳۹-۳۴۰)، ومنها أيضاً المسجد الذي كان في صندوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي، ذكره أسامة بن منقذ (الاعتبار، بعناية فيليب حتى، ص ۱۷۳)؛ وهناك أيضاً مشهد للإمام علي (عليه السلام) في مدينة مَعَرّة مصرين، شمالي مدينة إدلب السورية، لم يرد ذكره في المصادر التاريخية، وتشير الكتابة القديمة الموجودة على بابه إلى بنائه في سنة ۴۲۶ ه.
وظهور هذا العدد الكبير من المواضع المنسوبة إلى الإمام علي (عليه السلام) في تلك الفترة، يرجع برأيي في الدرجة الأولى إلى ظاهرة انتشار التشيع ـ بمفهومه العام ـ في الفترة التي سبقت زمن تأليف الكتاب، حيث رأينا قيام دول أو دويلات شيعية في المنطقة الممتدة من العراق إلى مصر، كالدولة الفاطمية، والدولة البويهية، والدولة الحمدانية، وبني مرداس، وبني مزيد؛ والكلام التفصيلي حول هذا الموضوع يحتاج إلى مجال آخر.
أما فيما يتعلق بهذا المقال، فقمت باستخراج لائحة المزارات والمشاهد المنسوبة إلى الإمام علي (عليه السلام) من كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي، وترتيبها بحسب المناطق الجغرافية التي كانت توجد فيها تلك المزارات، بدءاً من الحجاز، ووصولاً إلى العراق والجزيرة والشام، وانتهاءً بمصر وبلاد العجم. واعتمدتُ في ذكر الصفحات على طبعة المعهد الفرنسي بدمشق (سنة ۱۹۵۳)، وهي بتحقيق الباحثة الفرنسية جانين سورديل ـ طومين.


زيارات الحجاز:
[۱.] «بالكعبة مولد علي بن أبي طالب.» (ص ۸۶)
[۲.] «غدير خمّ موضع آخى رسول الله (صلعم) لعلي بن أبي طالب.» (ص ۸۹)
[۳.] «بئر علي بن أبي طالب قريب من المدينة يقال قاتل الجنّ فيها، والله أعلم.» (ص ۹۰)
[۴.] ومن زيارات المدينة المنوّرة: «بيت علي (رضه)». (ص ۹۲)

زيارات منطقة البصرة:
[۵.] «مشهد علي بن أبي طالب» في مدينة البصرة. (ص ۸۱)
[۶.] «وجامعها موضع شريف من جملة المعابد المشهورة في الإسلام، وقيل منارته وقبلته عمارة علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۸۱)
[۷.] عَبّادان: «بها بئر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضه.» (ص ۸۳)

زيارات الكوفة:
[۸.] «على باب الجامع بئر ذكر أهل الكوفة أن علي بن أبي طالب (رضه) حفرها.» (ص ۷۷)
[۹.] «وبها البئر التي غُسّل منها والحجر الذي غُسّل عليه.» (ص ۷۷)
[۱۰.] «وبالجامع دكّة الحكم التي كان يجلس عليها.» (ص ۷۷-۷۸)
[۱۱.] «وقيل قُتل علي بن أبي طالب (رضه) في قبلة الجامع وقيل على بابه والله أعلم.» (ص ۷۸)
[۱۲.] «باطنة النجف مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضه)، وعنده جماعة من العلويين والأشراف. وُلد بالكعبة، عمره ثلاث وستّون سنة، وذكر ابن قُتيبة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دُفن بقصر الإمارة بالكوفة خوفاً من أعدائه.» (ص ۷۷)

زيارات الحلة:
[۱۳.] «مدينة الحلة: بها مشهد الجُمجُمة يقال إنها خاطبت عيسى بن مريم (عم)، ويقال علي بن أبي طالب (رضه)، والصحيح أن عيسى بن مريم لم يدخل العراق.» (ص ۷۶)
[۱۴.] «وبها مشهد الشمس يقال رُدّت لحزقيل النبي (عم)، ويقال ليوشع بن نون (عم)، وقيل لعلي بن أبي طالب، والله أعلم.» (ص ۷۶)
[۱۵.] «وبها الجامعان، ومشهد علي بن أبي طالب (رضه). » (ص ۷۶)

زيارات العراق، من بغداد إلى الموصل:
[۱۶.] «إيوان كسرى فيه كفّ علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۷۶)
[۱۷.] بغداد: «وبمقبرة الفيل جماعة من الصالحين والأولياء مثل الخلال وأصحابه، وزاويته بها أثر أصابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضه) كما ذكروا، والله أعلم.» (ص ۷۶)
[۱۸.] «مدينة تكريت بها مشهد علي بن أبي طالب (رضه)، وبها قبر يزعمون أنه قبر علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۷۱)
[۱۹.] الموصل: بها «مشهد الطرح، وبها كفّ علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۷۰)

زيارات الجزيرة والفرات الأعلى:
[۲۰.] «مدينة سنجار بها مشهد علي بن أبي طالب (رضه) على الجبل، وبها تلّ قنبر.» (ص ۶۶)
[۲۱.] «مدينة نصيبين بها مشهد علي بن أبي طالب (رضه) وبه شجرة عنّابة ولها حكاية.»
[۲۲.] «وبها كفّ علي بن أبي طالب (رضه) في مسجد باب الروم.» (ص ۶۵)
[۲۳.] مدينة آمد: «بها مسجد علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۶۵)
[۲۴.] «مدينة ميافارقين بها المساجد الثمانية يزعمون أن الصحابة (رضهم) عمّروها»، منها: «مسجد علي بن أبي طالب (رضه).» (وفي نسخة: رؤي في المنام) (ص۶۴)
[۲۵.] «وبظاهر الرحبة مشهد البوق وهو موضع كان علي بن أبي طالب نازلاً به لما توجه إلى قتال معاوية.» (ص ۶۷)
[۲۶.] «مدينة قرقيسيا بها مشهد فيه كفّ علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۶۷)
[۲۷.] «صفّين موضع كانت به الوقعة بين علي بن أبي طالب ومعاوية. ... وبصفّين مشهد علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۶۲)
[۲۸-۲۹.] «مدينة الرقة بها مشهد علي بن أبي طالب (رضه). وبها مشهد الجنائز وبه المُردي(**) الذي جاؤوا بالشهداء عليه في الفرات.» (ص ۶۳)
[۳۰.] «مدينة بالس بها مشهد علي بن أبي طالب.» (ص ۶۱)

زيارات الشام:
[۳۱.] حلب: «بها عند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب (رضه) رؤي في المنام.» (ص ۴)
[۳۲.] «وبها داخل باب العراق مسجد غوث به حجر عليه كتابة ذكروا أنها خطّ علي بن أبي طالب (رضه) وله حكاية والله أعلم.» (ص ۴)
[۳۳.] مدينة حمص: «بها مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضه) وبه عامود وموضع إصبعه فيه، وذلك لمنام رآه بعض الصالحين، وله حكاية.» (ص ۸)
[۳۴.] دمشق: «بها مشهد النارنج وبه حجر مشقوق وله حكاية مع علي بن أبي طالب (رضه).» (ص ۱۳)
[۳۵.] «ومشهد علي بن أبي طالب (رضه)» في شرقيّ الجامع الأموي بدمشق. (ص ۱۵)
[۳۶.] مدينة عكّا: «بها عين البقر، ذكروا أن البقر خرجت عنها لآدم فحرث عليها. وعلى هذه العين مشهد يُنسب إلى علي بن أبي طالب (رضه)، وذلك أن الفرنج عملته كنيسةً وقعد بها قيّم برسم عمارتها وخدمتها، فلما أصبح قال: رأيت شخصاً يقول لي: "أنا علي بن أبي طالب، قل لهم يعيدوا هذا الموضع مسجداً وإلا من أقام به يهلك"، فلم يقبلوا كلامه وأقاموا غيره فلما أصبح وجدوه ميتاً فتركتها الفرنج مسجداً إلى الآن، والله أعلم.» (ص ۲۲)

زيارات مصر والصعيد:
[۳۷.] «قُوص مدينة بها مشهد النبي (صلعم) وبها مشهد علي بن أبي طالب رأوهما في المنام، والله أعلم.» (ص ۴۴)
[۳۸.] «المحلّة مدينة بها مشهد فاطمة الزهراء ومشهد علي بن أبي طالب ومشهد الحسين (رضه) رأوهم في المنام.» (ص ۴۶)
[۳۹.] شَطا، موضع بدمياط، بها «مشهد علي بن أبي طالب (رضه) رؤي في المنام.» (ص ۴۶)
[۴۰.] «تَنّيس جزيرة في البحر بها مشهد علي بن ابي طالب (رضه) رؤي في المنام.» (ص ۴۶)
[۴۱.] «تُونة بلد في جزيرة بها مشهد النبي (عم)، ومشهد علي بن أبي طالب. وسألتُ أهل هذه الجزيرة عن المشاهد هل عُمِّرت على اسم النبي (ص) وعلى اسم علي بن أبي طالب (رض) فقالوا: لها حكاية. ثم استدعوا شيخاً حسن الوجه فقالوا: هذا ابتُلي بالجذام ورماه أهله في ناحية الجزيرة خوفاً من مرضه وتلف بدنه وهلك، فلما كان في بعض الليالي صرخ صراخاً عظيماً فأتاه الناس وهو قائم ليس به ألم. فسُئل عن حاله فقال:" رأيت رسول الله (ص) في هذا الموضع فقال: اعملوا هاهنا مسجداً. فقلتُ: يا رسول الله، أنا مبتلي وما يصدّقوني. فالتفت إلى شخص إلى جانبه وقال: يا علي خذ بيده. فمدّ يده إلي فقمت كما تروني".» (ص ۴۷)

زيارات بلاد العجم:
[۴۲.] «وبناحية بلخ قرية يقال لها الخَير بها قبر يزعمون أنه قبر علي بن أبي طالب وليس بصحيح.» (ص ۷۷)
[۴۳.] وفي نسخة أخرى من الإشارات، ورد نصها في الهامش: «مدينة أبهر وهي أوهر، بها مشهد علي بن أبي طالب ثم ينزل عليه النور ويشاهده الناس.» (ص ۹۸)

______________________
(*) على سبيل المثال، نشير فقط إلى مزار الشيخ أنس بالقرب من مدينة الميادين السورية (رحبة مالك بن طوق قديماً)، ذكره الهروي في كتاب الإشارات (ص ۶۷) باسم: «مشهد يانس ولؤلؤ صاحبى أبى محمد البطال»، أما اليوم فيُنسب هذا المزار إلى أنس بن مالك من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآلـه وسلم).
(**) المُرْديّ: خَشبَة تُدفَع بها السفينة تكون في يد الملاّح. راجع: لسان العرب، ۱۴/۳۱۹.
جمعه ۲ اسفند ۱۳۹۲ ساعت ۱۰:۴۶